أنصت ليحبك الناس
الإنصات هو أهم مهارات اللغة الأولية يليه التحدث و القراءة و الكتابة.
يشكل الإنصات أعلى نسبة من وسائل الاتصال communicationبين الناس و هي: القراءة و الكتابة والتحدث.
الإنصات و التعلم:
يعد الإنصات أهم مهارات التعلم و تثبت الدراسات أن القراءة و الكتابة تأتيان بمرحلة تعقب الإنصات، إذ يصعب على المرء أن يحسنها قبل أن يجيد الإنصات، فمثلاً الذي لا ينصت لما يريده معلمه أو مسؤوله في العمل سيصعب عليه كتابة المذكرات أو الواجب المدرسي بالشكل المطلوب عمله، أو لربما تفوته بعض النقاط المهمة التي قد تؤثر في تقييم عمله، فهناك من لا يزال يدفع ثمن عدم الإنصات لبعض المواد الدراسية الهامة كاللغة العربية ويتحسر على كل دقيقة سرح بها في درس النحو في المرحلة المتوسطة مثلاً.. و مازال يشكو من صعوبة إعراب جمل تلك اللغة الجميلة ويؤثر ذلك على مواد أخرى. لذلك فمن الأهمية بمكان أن ينصت الناس إلى المحاضرين على مقاعد الدراسة أو في الدورات المتخصصة فهم بلا شك يسبقون غيرهم علماً وخبرة.
أنصت :
قيل "إننا أعطينا أذنين و فماً واحداً فقط، لكي ننصت ضعف ما نتحدث، وأن الإنصات أصعب بكثير من التحدث. وإن وجود اللسان داخل فم مغلق بالأسنان و الشفاه، وأذنين مفتوحتين بشكل دائم لهو إشارة إلى أهمية الإنصات".
حقيقة هامة عن الإنصات:
تشير الدراسات إلى أن الإنسان يقضي 40% من وقته في الاستماع للآخرين، بينما يقضي 35% في التحدث، و 16% للقراءة، و 9% للكتابة.
ما هو الفرق بين الإنصات والاستماع:
الإنصات: هو التركيز العميق فيما يقوله المتحدث وسط خضوع تام لكافة الجوارح، بعيداً عن التصنع والتكلف.
أما الاستماع أو السماع فهو التقاط الأذن لحديث ما سواء بقصد أو من غير قصد السامع.
ويمكن تعريف الاستماع على أنه( أخذ معلومات من المتحدثين أو من أنفسنا مع الحرص على لعب دور الحكم).
هناك فرق كبير بين الإنصات و الاستماع، فالاستماع قد يكون بالصدفة أو من غير قصد، فقد تمر بأحد الشوارع فتسمع صوت عربة قطار مسرعة، أو أحداً يناديك صدفة، أو طفلاً يبكي. و التركيز العميق قد لا يتوافر هنا، فالاستماع إلى المذياع أثناء قيادة السيارة أو في مقهى هو ما نقصده بالاستماع.
أما الإنصات فهو عزل كامل للمؤثرات المحيطة بنا، رغبة في التركيز في ما سيقوله المتحدث، للتفاعل الجدي معه. والإنصات كما يصفه الإمام الرازي في مختار الصحاح هو ( السكوت و الاستماع ).
الاستماع هو الصورة الكبرى و الإنصات هو الجزء الذي نقصده في هذه الصورة ..
أنواع الإنصات
يرى ستيفن كوفي أحد أشهر رواد علم الإدارة في العالم في كتابه ( العادات السبع للأشخاص المؤثرين )، أن هناك أربعة أنواع رئيسية من الإنصات و هي :
1) الإنصات السلبي
و هو تجاهل ما يقوله الشخص كلياً وهو أسوأ الأنواع على الإطلاق.
2) الإنصات المصطنع
و هو تصنع الإنصات أو متابعة المتحدث و ذلك بترديد عبارات (نعم ..نعم ) مثلاً لمحاولة إيهام المتحدث بجدية الإنصات .
3) الإنصات الاختياري (الانتقائي)
و هو سماع ما تريد سماعه فقط . و هذا النوع يتضح عند محاولة بعضنا الإنصات للأطفال الصغار.
4) الإنصات الفعلي (الصادق)
و هو باختصار الإنصات بنية جادة و صادقة للفهم من دون التفكير في الرد على الكلام المسموع، و هو الإنصات بقصد فهم الموضوع من منظار المتحدث و ليس المنصت.
و هذا الإنصات الفعلي هو أهم أنواع الإنصات ، لأنه يعين المنصت على التعرف على الموضوع أو المشكلة من وجهة نظر المتحدث من دون خلطها مع تخميناته أو مع تجاربه السابقة في الموضوع، الأمر الذي يكون فيه إبداء رأي السامع مبنياً على معلومات واقعية. بعبارة أخرى: الإنصات الفعلي هو الغوص داخل عقل و قلب المتحدث. وهكذا نجد أن الإنصات من أهم مزايا الناجحين, فهو الطريق
الممهد لنا لكي نصل إلى قلوب الآخرين.
الطرق الكفيلة بجعل الآخرين ينصتون إلينا
هناك ثماني طرق تجعل الآخرين ينصتون إليك:
1_ وضوح هدف الحديث :
عدم وضوح هدف المتحدث من كلامه قد يؤدي إلى انصراف المستمعين عن حديثه ، بطريقة أو بأخرى، وستكون مهمة المنصت بالتعرف على الهدف مستحيلة ، إذا كان المتحدث نفسه لا يعرف عما يتحدث.
عدم وضوح الهدف ، ربما يولد فهماً مغلوطاً لدى المستمع و مثال ذلك : عندما يناديك شخص ما و أنت على وشك القيام من المجلس و يقول :" أريد معرفة رأيك في موضوع معين ". من دون أن يوضح ماذا يريد وما هو هدفه من السؤال ، فإن ذلك يؤدي إلى شعورك بالملل ومن ثم شرودك عن حديثه .
2_ حركات العين :
توزيع النظر أثناء الحديث يشحذ انتباه المستمعين، لذا ينصح بإمعان النظر فيمن تشعر بأنه قد شرد ذهنه قليلاً، فذلك من شأنه أن يعيده إلى تركيزه السابق إليك. ولقد أثبتت الدراسات العلمية أن حركة العينين الانتقالية للمتحدث أفضل وسيلة لإظهار التفاعل مع المستمعين, يقول السيد Chollar من مقال (In the Of an Eye ) بمجلة (Psychology Today) مارس1988 ( إن زيادة الرمش بالعين قد يعني أن المستمع يمر في مرحلة ضغط نفسي أو جسماني مثل القلق و الغضب أو الملل ) أما انخفاض معدل الرمش بالعين فيرى أنه : ( يشير أحياناً إلى أن المنصت في حاجة إلى مزيد من المعلومات أو أنه ينصت إلى شيء يحتاج إلى تركيز عيني أكبر) بما أن التجربة خير برهان ، لاحظ حركة رموش عيني من نمتدحه كيف تتوقف عن الحركة بطريقة توحي إلينا برغبته بالمزيد من الإطراء أو المدح جرب و لاحظ الفرق.
3_ الحديث المقبول و السهل الفهم :
التحدث بطريقة مقبولة و سهلة الفهم للآخرين تؤدي إلى إنصاتهم بشكل أفضل. والشخصيات التي تتمتع بتلك الصفة غالباً ما تجدها محببة إلى الناس. مثال: مخاطبة أطفال الابتدائية بلغة عالية الأسلوب قد تعيق استماعهم و أحياناً كثيرة فهمهم و من ثم انصرافهم عن الحديث.
4_ استخدام المستمع كمثال:
تخيل لو أنك سمعت اسمك أثناء حديث جانبي لاثنين في طرف المجلس ..ماذا ستفعل ؟ لا شك أن فضولك سيدفعك إلى الالتفات التلقائي لمعرفة ما يقال عنك . تلك الاستجابة الفطرية عند سماع الاسم يجب أن تستغل لشد انتباه من يراد جرهم إلى حديث ما ، فاستخدام المستمع كمثال أثناء الحديث هو بمثابة ضوء أحمر لامع لشد انتباهه. وأغرب ما في هذه الفطرة أنها تجذب انتباهك حتى لو نطق اسمك بلغة غير لغتك الأصلية كالإنجليزية مثلاً و لزيادة الانتباه يفضل أن يرافق المناداة بالاسم، الإشارة باليد أو الاكتفاء بالنظر المباشر إلى العين بعد إدارة كامل الجسم إلى الشخص المعني فذلك يزيد التفاعل . مثال: أن تقول خالد يهوى ركوب السفن الشراعية..) وتلتفت إليه بكامل جسمك، أما إذا كنت واقفاً فتقدم خطوة أو خطوتين نحوه لتسترعي انتباهه أكثر هذه الطريقة تجذب شاردي الذهن إلى الحديث ، و هي طريقة مهذبة لإنهاء الأحاديث الجانبية و تحويل إنصاتهم إلى ما يقوله المتحدث .
5-البدء بذكر الحقائق والقصص.
إن ذكر الحقائق و القصص في بداية الحديث يجذب الانتباه ، فعندما تتعالى الأصوات في نقاش حاد عن (سبب الأمية في الدول العربية) مثلاً.. تكون أفضل طريقة لجذب الانتباه هي أن تقول : هل تعلمون أن الأمية قد انخفضت إلى نسبة كذا في عام كذا حسب آخر تقرير رسمي نشر مؤخراً ؟ ستجد أن الرؤوس اشرأبت إليك لمعرفة المزيد و هنا يأتي دورك في مدهم بجمل سريعة و قصيرة من الحقائق لضمان المحافظة على انتباه المستمعين و من ثم دفعهم إلى إنصات أكثر جدية .
وثمة أساليب أخرى تجذب الانتباه مثل: )قال لي والدي مرة ..و أذكر حكمة معينة عن الموضوع ) أو أقول ( عندما كنت صغيراً قال لي المدرس ....كذا) أو ( أنا حدث لي موقف مشابه مضحك و هو (...) .تلك الجمل و غيرها تعد مدخلاً جيداً لجذب انتباه المستمعين .
6_ إعادة الجمل أو الأفكار:
يؤدي إعادة بعض جمل أو أفكار المتحدثين إلى تفاعل أكثر من قبل المستمعين مع ما تقول مثال ذلك أن تقول : ( أنا أتفق مع نقطة محمد ...) أو (أعجبتني نقطة خالد ) فالجملة الأخيرة لا تشد خالداً فقط , بل الآخرين الذين سيكونون أكثر فضولاً لمعرفة ما الذي أعجبك في نقطة خالد : ما تعيده من جمل ليس معناه تسليمك أو اتفاقك معها ، و لكنه أحد الأساليب المعينة على الإنصات الإيجابي .
7_ تشجيع الآخرين على المشاركة :
إن تشجيع المستمعين على مشاركتك الحديث يجعلهم أكثر تفاعلاً مع ما تقول ، ممن تتجاهلهم . والتشجيع يكون بتوجيه أسئلة للمستمعين للتأكد من متابعتهم لحديثك، كأن تقول: (...كيف ترى ذلك يا أحمد ؟) ( هل تتفق معي أم لا ..) حتى و لو كانوا غافلين عما تقول ، فإن سؤالك سيعيد إليهم أهميتهم و يوجههم إلى الإنصات إليك .
مثال آخر على تشجيع المستمعين للتفاعل معك هو تشجيعهم على تزويدك بأفكار إضافية أو اقتراحات، فتسأل: ( هل من تعليق ؟) هل لديك وجهة نظر أخرى ؟ (و يؤدي إعطاؤك المستمع الفرصة الكافية للتعليق على ما تقوله أن يجعله يقظاً و متابعاً) .
8_ استخدام الأيدي :
استخدام الأيدي بمهارة هو أحد أسباب شدة انتباه المستمعين، فتخيل أن شخصاً يحدثك عن ارتفاع منسوب المياه لنهر أو بحيرة زارها و قد كان جالساً فنهض إلى أعلى ووقف على كرسي رافعاً إحدى يديه ليشرح ارتفاع الماء ستغفل عنه ؟ أليس ذلك أسلوباً جذاباً للإنصات يحتاجه كثير منا ؟