بين الحين والآخر يفاجأ المواطنون المغاربة بأنّ منطقة بكاملها بجبالها وأنهارها وبحيراتها، والتي كانوا ينعمون بالنزهة فيها مع عائلاتهم، قد بيعت لعرب الخليج وتمّ تسييجها ووضع علامات المنع الحمراء والسلاسل عن بعد عند الطرق المؤدية إليها، مع كتابة عبارة "ممر خاص" بخط بارز ووضع كاميرات مراقبة في عدّة مواقع، حتى يعرف الناس بأنّ المكان لم يعد عموميا للشعب بل صار ملكية خاصّة لأجانب.
وطبعا يختار الضيوف الخليجيون أجمل المناطق التي تشتمل على مناظر طبيعية خلابة والتي يرتادها الناس لجمالها، ليشتروها ويقتطعوا كل الأراضي الواسعة من حولها بمساحات كبيرة حتى لا يقترب منها الناس، ثم يسيجون كلّ ذلك. ورغم أنّ الضيوف الخليجيين لا يقيمون في تلك المستوطنات بل يأتون إليها بين الحين والآخر، لإقامة ليالي السمر المعلومة، فإنها رغم ذلك تظلّ مغلقة وممنوعة على أبناء المغرب طوال السنة وإلى الأبد. نعم إنّ الضيوف من عرب الخليج أثرياء جدّا، لأنّ حظهم شاء أن يكتشف الإنجليز في صحرائهم القاحلة قبل مائة عام المادة الحيوية المحركة لدواليب الحضارة الصناعية الحديثة، وهو ما حولهم من عشائر رعوية إلى عشائر نفطية، ظلّت تتواجد رغم ذلك خارج الحضارة التي يزودونها بوقودها من البترول، غير أنّ ثراء الخليجيين لم يمنع الدول الديمقراطية من وضع قوانين لملكية الأرض وحدودها حماية لمواطنيها وحقوقهم في وطنهم، ولترويض بداوة هؤلاء وإخضاعها لقوانين البلد المضيف، ومعنى هذا أنّه إذا كان عرب الخليج أثرياء فإنّ غيرهم في البلدان الديمقراطية أغنياء بكرامتهم قبل كلّ شيء، إذ لا يمكن لدولة ذات سيادة، تحترم نفسها ومواطنيها أن تسمح لحفنة من الأجانب الفاسدين أن يمتلكوا الأرض بدون حدود ولا معايير تحمي حقوق الناس وكرامتهم.
مناسبة هذا الكلام ما حدث يوم الأحد الماضي عندما فوجئ عدد من المواطنين المرفوقين بعائلاتهم وأطفالهم للنزهة في المناطق المجاورة لبحيرة سدّ محمد بن عبد الله بعين عودة، ليجدوا أنفسهم ملزمين بالوقوف عند علامات المنع والعودة أدراجهم، فالبحيرة بكل الأودية المؤدية إليها أصبحت منطقة مسيجة وخاصة ومحاطة بكاميرات مراقبة، رغم أن ما يوجد بها بيت مغلق لا يقيم به أحد، وقد ظلّوا يتأملون المشهد بخيبة وألم، ليغادروا المكان بمرارة وهم يتساءلون عن معنى كونهم مغاربة، لهم وطن يدعى المغرب، وأرض مات من أجلها آلاف الوطنيين منذ فجر التاريخ. ومن تمّ فعلى الذين يتساءلون عن أسباب ضعف "الروح الوطنية المغربية"، و "تدني الشعور بالإنتماء إلى الوطن"، وحلم أغلبية الناس بالمغادرة والهجرة، والشعور المزمن بالدونية واحتقار الذات، أن يدركوا بأنّ قيم الوطنية والإعتزاز بالإنتماء إلى الأرض لا تترسخ في أعماق النفوس إلا بصون الكرامة، وأنّ صون الكرامة لا يكون إلا بوجود دولة الحق والقانون الحامية لحقوق أبنائها من الأفراد والجماعات، أما الدولة التي يباع فيها كلّ شيء للأجنبي بدون حدود وفي غياب أبسط مبادئ الإحترام للناس وللقيم، فمن الصّعب أن تلقى احترام مواطنيها.