الحث على ذكر الله تعالى
حدثنا قتيبة بن سعيد وزهير بن حرب واللفظ لقتيبة قالا حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ هم خير منهم وإن تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد ولم يذكر وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا
صحيح مسلم بشرح النووي
قوله عز وجل : { أنا عند ظن عبدي بي }
قال القاضي : قيل : معناه بالغفران له إذا استغفر , والقبول إذا تاب , والإجابة إذا دعا , والكفاية إذا طلب الكفاية . وقيل : المراد به الرجاء وتأميل العفو , وهذا أصح .
قوله تعالى : { وأنا معه حين يذكرني }
أي معه بالرحمة والتوفيق والهداية والرعاية . وأما قوله تعالى : { وهو معكم أينما كنتم } فمعناه بالعلم والإحاطة .
قوله تعالى : { إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي }
قال المازري : النفس تطلق في اللغة على معان : منها الدم , ومنها نفس الحيوان , وهما مستحيلان في حق الله تعالى , ومنها الذات , والله تعالى له ذات حقيقة , وهو المراد بقوله تعالى : { في نفسي } ومنها الغيب , وهو أحد الأقوال في قوله تعالى : { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك } أي ما في غيبي , فيجوز أن يكون أيضا مراد الحديث , أي إذا ذكرني خاليا أثابه الله , وجازاه عما عمل بما لا يطلع عليه أحد .
قوله تعالى : { وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم }
هذا مما استدلت به المعتزلة ومن وافقهم على تفضيل الملائكة على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين , واحتجوا أيضا بقوله تعالى : { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } فالتقييد بالكثير احتراز من الملائكة , ومذهب أصحابنا وغيرهم أن الأنبياء أفضل من الملائكة لقوله تعالى في بني إسرائيل : { وفضلناهم على العالمين } والملائكة من العالمين . ويتأول هذا الحديث على أن الذاكرين غالبا يكونون طائفة لا نبي فيهم , فإذا ذكره الله في خلائق من الملائكة , كانوا خيرا من تلك الطائفة .
قوله تعالى : { وإن تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا , وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا , وإن أتاني يمشي أتيته هرولة }
هذا الحديث من أحاديث الصفات , ويستحيل إرادة ظاهره , وقد سبق الكلام في أحاديث الصفات مرات , ومعناه من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي والتوفيق والإعانة , وإن زاد زدت , فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة , أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها , ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود , والمراد أن جزاءه يكون تضعيفه على حسب تقربه .
[line]
حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قال إذا تلقاني عبدي بشبر تلقيته بذراع وإذا تلقاني بذراع تلقيته بباع وإذا تلقاني بباع أتيته بأسرع
صحيح مسلم بشرح النووي
قوله تعالى في رواية محمد : ( وإذا تلقاني بباع جئته أتيته )
هكذا هو في أكثر النسخ : ( جئته أتيته ) وفي بعضها ( جئته بأسرع ) فقط , وفي بعضها ( أتيته ) وهاتان ظاهرتان والأول صحيح أيضا والجمع بينهما للتوكيد , وهو حسن لا سيما عند اختلاف اللفظ . والله أعلم .
[line]
أبي هريرة قال
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان فقال سيروا هذا جمدان سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات
صحيح مسلم بشرح النووي
" 6223 "
قوله : ( جبل يقال له جمدان )
هو بضم الجيم وإسكان الميم .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( سبق المفردون قالوا : وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : الذاكرون الله كثيرا والذاكرات )
هكذا الرواية فيه : ( المفردون ) بفتح الفاء وكسر الراء المشددة , وهكذا نقله القاضي عن متقني شيوخهم , وذكر غيره أنه روي بتخفيفها وإسكان الفاء , يقال : فرد الرجل وفرد بالتخفيف والتشديد , وأفراد , وقد فسرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذاكرين الله كثيرا والذاكرات , تقديره : والذاكراته , فحذفت الهاء هنا كما حذفت في القرآن لمناسبة رءوس الآي , ولأنه مفعول يجوز حذفه , وهذا التفسير هو مراد الحديث , قال ابن قتيبة وغيره : وأصل المفردين الذين هلك أقرانهم , وانفردوا عنهم , فبقوا يذكرون الله تعالى , وجاء في رواية : ( هم الذين اهتزوا في ذكر الله ) أي : لهجوا به وقال ابن الأعرابي : يقال : فرد الرجل إذا تفقه واعتزل وخلا بمراعاة الأمر والنهي .
[line]
[line]
في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها
حدثنا عمرو الناقد وزهير بن حرب وابن أبي عمر جميعا عن سفيان واللفظ لعمرو حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لله تسعة وتسعون اسما من حفظها دخل الجنة وإن الله وتر يحب الوتر
وفي رواية ابن أبي عمر من أحصاها
صحيح مسلم بشرح النووي
[line]
حدثني محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة وعن همام بن منبه عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة
وزاد همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه وتر يحب الوتر
صحيح مسلم بشرح النووي
قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن لله تسعة وتسعين اسما , مائة إلا واحدا , من أحصاها دخل الجنة , إنه وتر يحب الوتر )
وفي رواية : ( من حفظها دخل الجنة ) قال الإمام أبو القاسم القشيري : فيه دليل على أن الاسم هو المسمى , إذ لو كان غيره لكانت الأسماء لغيره لقوله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى } قال الخطابي وغيره : وفيه : دليل على أن أشهر أسمائه سبحانه وتعالى : ( الله ) لإضافة هذه الأسماء إليه , وقد روي أن الله هو اسمه الأعظم , قال أبو القاسم الطبري : وإليه ينسب كل اسم له فيقال : الرءوف والكريم من أسماء الله تعالى , ولا يقال من أسماء الرءوف أو الكريم الله . واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى , فليس معناه : أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين , وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة , فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء , ولهذا جاء في الحديث الآخر : " أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك " , وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي عن بعضهم أنه قال : لله تعالى ألف اسم , قال ابن العربي : وهذا قليل فيها . والله أعلم . وأما تعيين هذه الأسماء فقد جاء في الترمذي وغيره في بعض أسمائه خلاف , وقيل : إنها مخفية التعيين كالاسم الأعظم , وليلة القدر ونظائرها .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحصاها دخل الجنة )
فاختلفوا في المراد بإحصائها , فقال البخاري وغيره من المحققين : معناه : حفظها , وهذا هو الأظهر ; لأنه جاء مفسرا في الرواية الأخرى ( من حفظها ) وقيل : أحصاها : عدها في الدعاء بها , وقيل : أطاقها أي : أحسن المراعاة لها , والمحافظة على ما تقتضيه , وصدق بمعانيها , وقيل : معناه : العمل بها والطاعة بكل اسمها , والإيمان بها لا يقتضي عملا , وقال بعضهم : المراد حفظ القرآن وتلاوته كله , لأنه مستوف لها , وهو ضعيف والصحيح الأول .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله وتر يحب الوتر )
الوتر : الفرد , ومعناه في حق الله تعالى : الواحد الذي لا شريك له ولا نظير . ومعنى ( يحب الوتر ) : تفضيل الوتر في الأعمال , وكثير من الطاعات , فجعل الصلاة خمسا , والطهارة ثلاثا , والطواف سبعا , والسعي سبعا , ورمي الجمار سبعا , وأيام التشريق ثلاثا , والاستنجاء ثلاثا , وكذا الأكفان , وفي الزكاة خمسة أوسق وخمس أواق من الورق , ونصاب الإبل وغير ذلك , وجعل كثيرا من عظيم مخلوقاته وترا منها السماوات والأرضون والبحار وأيام الأسبوع وغير ذلك , وقيل : إن معناه منصرف إلى صفة من يعبد الله بالوحدانية , والتفرد مخلصا له . والله أعلم .