• الإخلاص: عمل من أعمال القلوب، بل هو في مقدمة الأعمال القلبية، لأن قبول الأعمال لا يتم إلا به. والمقصود بالإخلاص: إرادة وجه الله تعالى بالعمل، وتصفيته من كل شوب ذاتي أو دنيوي، فلا ينبعث للعمل إلا لله تعالى والدار الآخرة، ولا يمازج عمله ما يشوبه من الرغبات العاجلة للنفس، الظاهرة أو الخفية، من إرادة مغنم، أو شهوة، أو منصب، أو مال، أو شهرة، أو منزلة في قلوب الخلق، أو طلب مدحهم، أو الهرب من ذمهم، أو إرضاء لعامة، أو مجاملة لخاصة، أو شفاء لحقد كامن، أو استجابة لحسد خفي، أو لكبر مستكن، أو لغير ذلك من العلل والأهواء والشوائب، التي عقد متفرقاتها هو: إرادة ما سوى الله تعالى بالعمل، كائنا من كان، وكائنا ما كان. وأساس إخلاص العمل: تجريد "النية" فيه لله تعالى. والمراد بالنية: انبعاث إرادة الإنسان لتحقيق غرض مطلوب له.
• فالغرض الباعث هو: المحرك للإرادة الإنسانية لتندفع للعمل، والأغراض الباعثة كثيرة ومتنوعة، منها، المادي والمعنوي، ومنها: الفردي والاجتماعي، ومنها: الدنيوي والأخروي، ومنها التافه الحقير، والعظيم الخطير، منها ما يتعلق بشهوة البطن والجنس، ومنها ما يتصل بلذة العقل والروح، منها ما هو محظور، ومنها ما هو مباح، ومنها ما هو مستحب، ومنها ما هو واجب.
• وإنما يحدد هذه البواعث: عقائد الإنسان وقيمه التي يؤمن بها، ومعارفه وأفكاره ومفاهيمه التي كونها بالدراسة أو بالتجربة، أو بتأثير البيئة، وبالتقليد للآخرين.والمؤمن الحق هو الذي غلب باعث الدين في قلبه باعث الهوى، وانتصرت حوافز الآخرة على حوافز الدنيا، وآثر ما عند الله تعالى على ما عند الناس، فجعل نيته وقوله وعمله لله، وجعل صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين، وهذا هو الإخلاص.
الإخلاص من ثمرات التوحيد الخالص
• والإخلاص بهذا المعنى: ثمرة من ثمرات "التوحيد" الكامل لله تبارك وتعالى، الذي هو إفراد الله عز وجل بالعبادة والاستعانة، والذي يعبر عنه قوله سبحانه في فاتحة الكتاب وأم القرآن: (إياك نعبد وإياك نستعين).والذي يناجي به المسلم ربه في صلواته كل يوم ما لا يقل عن سبع عشرة مرة. وبهذا الإخلاص المتجرد: يتخلص من كل رق، ويتحرر من كل عبودية لغير الله: عبودية الدينار، والدرهم، والمرأة والكأس، والزينة والمظهر، والجاه والمنصب، وسلطان الغريزة والعادة، وكل ألوان العبودية للدنيا التي استسلم لها الناس، ويكون كما أمر الله رسوله: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).
الإخلاص مطلوب لصلاح الحياة
• وليس تشديد الإسلام في طلب الإخلاص، وتأكيده على تجريد النية لله، وتصحيح الاتجاه إليه وحده: ضربا من التزمت أو العبث، فإن الحياة نفسها لا تستقيم ولا ترتقي إلا بالمخلصين، وأكثر ما يصيب الأمم والجماعات من النكبات والكوارث القاصمة إنما يجره عليها أناس لا يرجون الله والدار الآخرة .. أناس من عبيد الدنيا، وعشاق الثروة، الذين لا يبالون ـ في سبيل دنياهم وشهوات أنفسهم ـ أن يدمروا دنيا الآخرين ودينهم معا، وأن يحولوا الأبنية إلى خرائب، والمنازل إلى مقابر، والحياة إلى موات ، أو أناس من طلاب الزعامة والسلطة، وعبيد الشهرة والجاه، وعشاق المجد الشخصي، والبطولة بغير الحق، إنهم في سبيل الحصول على المجد والسلطان، أو في سبيل الحفاظ على ما أدركوا منه، لا يبالون أن يخربوا ديارا، ويدمروا أمة بل أمما بأسرها، لا لشيء إلا لتصفق لهم الأيدي، وتهتف لهم الحناجر، وتنطلق بإطرائهم الأقلام، وتسبح بحمدهم الجماهير المسكينة المخدوعة، ويدوم لهم الاستمتاع بكراسي الحكم الوثيرة! وشعار كل منهم: أنا أو يخرب العالم من بعدي!!
• إن الإسلام لا يرضى للمسلم أن يعيش بوجهين: وجه لله، ووجه لشركائه، ولا أن تنقسم حياته إلى شطرين: شطر لله وشطر للطاغوت، الإسلام يرفض الثنائية المقيتة، والازدواجية البغيضة، التي نشهدها في حياة المسلمين اليوم، فنجد الرجل مسلما في المسجد أو في شهر رمضان، ثم هو في حياته، أو في معاملاته، أو في مواقفه إنسان آخر، إن الإخلاص هو الذي يوحد حياة المسلم، ويجعلها كلها لله، كما يجعله كله لله، فصلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين.
• والإخلاص هو عمل من عمال القلوب التي اهتم بها العلماء فصنفوا فيها المؤلفات ، وابتدؤوا أعمالهم بالتذكير والحث عليها. أعمال القلوب تحتاج إلى مجاهدة وعناية، وبما أن النجاة مدارها على أعمال القلوب بالإضافة إلى أعمال الجوارح التي لابد أن تأتي إذا صحّت أعمال القلوب.
• الإخلاص هو أولها وأهمها وأعلاها وأساسها، هو حقيقة الدين ومفتاح دعوة الرسل عليهم السلام (( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء))((ألا لله الدين الخالص)).
• الإخلاص هو لب العبادة وروحها، قال ابن حزم: النية سر العبودية وهي من الأعمال بمنزلة الروح من الجسد، ومحال أن يكون في العبودية عمل لا روح فيه، فهو جسد خراب.
• والإخلاص هو أساس قبول الأعمال وردها فهو الذي يؤدي إلى الفوز أو الخسران، وهو الطريق إلى الجنة أو إلى النار، فإن الإخلال به يؤدي إلى النار وتحقيقه يؤدي إلى الجنة.
معنى الإخلاص
• خلص خلوصاً خلاصاً، أي صفى وزال عنه شوبه، وخلص الشيء صار خالصاً وخلصت إلى الشيء وصلت إليه، وخلاص السمن ما خلص منه. فكلمة الإخلاص تدل على الصفاء والنقاء والتنزه من الأخلاط والأوشاب. والشيء الخالص هو الصافي الذي ليس فيه شائبة مادية أو معنوية. وأخلص الدين لله قصد وجهه وترك الرياء. وقال الفيروز أبادي: أخلص لله ترك الرياء.
• كلمة الإخلاص كلمة التوحيد، والمخلصون هم الموحدون والمختارون ، وأما تعريف الإخلاص في الشرع فكما قال ابن القيم –رحمه الله -: هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة أن تقصده وحده لا شريك له.
ا