وبفضل هذا الاتحاد يصبح المسلمون في جميع أنحاء العالم في صلة مباشرة ببعضهم البعض، فيطِّلعون على أوضاع بعضهم البعض عن قرب، وبالتالي ينخرطون في عملية تعاون مثمرة في حين تُلغى مفاهيم مثل "انفصالي" و"متحزب" و"قومي" من التداول، ويسود المبدأ الذي يقضي بأنّ "المسلمين كلهم إخوة". والأفكار السائدة اليوم في العالم الإسلامي مختلف بعضها عن البعض الآخر، وهو ما حال دون التوصل إلى تقارب بين المواقف والآراء وحرم المسلمين من التحرك صفًا واحدًا. والنداء الذي توجهه هذه المنظمة من أجل الوحدة لا يستند لا إلى العرق ولا إلى الظروف الاقتصادية ولا إلى الأوضاع الجغرافية، فجميع الخصومات التي يمكن أن يكون مصدرها العرق أو اللغة أو الثقافة ستتم إزالتها من ساحة هذا الاتحاد. ومفهوم المساواة في هذه المنظمة لا يستند إلى أفضلية مجتمع على آخر ولا إلى سمو ثقافة على ثقافة أخرى، فكلهم سواسية يسود بينهم التسامح والمحبة والصدق وتنتشر بينهم روح التعاون.
اتحاد إسلامي يجعل الاختلاف ائتلافًا
إن من أهم الأهداف الكامنة وراء تشكيل الاتحاد الإسلامي هو ضرورة أن يكون للمسلمين "سلطة مركزية" تقودهم في شؤونهم العامة. ولهذا السبب يتوجب أن يكون خطاب هذا المركز شاملاً لجميع المسلمين، وبتعبير آخر أن يجمع تحت مظلته جميع المواقف على اختلافها. ويتعين على الاتحاد الإسلامي أن يراعي العقائد والقيم الإسلامية الأساسية، أمَّا على المستوى التطبيقي وفي مواطن الاختلاف فينبغي أن يسود التسامح، وينبغي النظر إلى هذه الاختلافات على أنها عناصر إثراء في الثقافة لا باعتبارها حجر عثرة أمام اتخاذ قرارات مشتركة أو عاملاً معرقلاً أمام نشاط الإدارة السياسية. وعلى الدول الإسلامية أن تحلّ اختلافاتها في هذه الإدارة المركزية، كما يتعين إزالة جميع الخلافات. ولا شك أن العالم الإسلامي إذا استطاع أن يحلّ مشاكله الداخلية بنفسه فإنه يصبح قادرًا على حل المشاكل التي يمكن أن يعيشها مع الحضارات الأخرى بطريقة أكثر سهولة. وبهذا الشكل فإن المركز الذي يوحد جميع المسلمين بإمكانه صياغة سياسات مشتركة كما يكون بالإمكان ضمان تطبيق تلك السياسات.
إن المواضيع التي تستدعي التحرك العاجل والبحث عن حلول سريعة في أيامنا الحالية هي نفسها المواضيع التي تشكل مركز اهتمام السياسة العالمية. وفي مقدمة تلك القضايا نجد قضية فلسطين وكشمير والعراق والصراع الفكري لمواجهة الإرهاب ومحاربة التخلف والفقر والمشاكل الصحية والاهتمام بالتعليم. وهذه القضايا ليست قضايا إقليمية أو هي لا تهم فقط أولئك الذين يقطنون تلك الأراضي، وإنما تتعلق مباشرة بجميع المسلمين، ولذلك فهي قضايا تتطلب تضامن العالم الإسلامي من أجل إيجاد حل لها. فلا أحد يمكن أن يدعي أن ما يحدث في المسجد الأقصى لا يهم سوى الفلسطينيين، أو أن على الكشميريين وحدهم البحث عن حلول لما يتعرض له المدنيون من المسلمين هناك من ظلم واضطهاد، كما لا يحق لأحد أن يقول بأن ما يعانيه الأطفال من الفقر المدقع في أية بقعة من بقاع العالم الإسلامي هو مسألة داخلية لا تهم سوى ذلك البلد بعينه. إن مقتضيات الإيمان بالنسبة إلى المسلمين تفرض عليهم ألا يقبلوا هذا الوضع.
وللأسف الشديد فعدم قدرة المسلمين على تكوين اتحاد قوي جعل غيرهم من الدول يقترح حلولاً مختلفة لهذه القضايا ولغيرها. بيد أن أغلب هذه الاقتراحات لا تراعي مصالح المسلمين، أو هي حلول قصيرة الأمد لا تعدو كونها تضميدًا للجراح. فالمسلمون بقوا في وضع جد ضعيف في كثير من الصراعات والنزاعات في العديد من المناطق، ومُنعوا من أن يكون لهم أيّ دور في إدارة أنفسهم. فالمشاريع التي قدمت للمسلمين على أنها "مخططات سلام" كانت في أغلب الأحيان تحمل موادًا أكثر وطأة ومشقة عليهم. ومن أجل حماية حقوق المسلمين فإن العالم الإسلامي مطالب باتخاذ موقف موحد. فعلى الدول الإسلامية أن تنضوي تحت راية الاتحاد الإسلامي، وسوف تنتهي التوترات التي يعيشها المسلمون مع غير المسلمين، كما ستُحل النزاعات الناشبة بين المسلمين بعضهم وبعض.
تحاول الدول الأوروبية اليوم أو المنظمات الدولية التي تعمل تحت رعايتها إزالة النزاعات القائمة بين المسلمين، ولا شك أن القوى الأجنبية الغريبة عن ثقافة الدول الإسلامية وتاريخها لا يمكنها بحال من الأحوال أن تجد الحلول المناسبة للقضايا المتعلقة بالحضارة الإسلامية مهما بدا أنها تحقق أحيانًا بعض الفوائد. ولذلك فعلى الدول الإسلامية أن تحل جميع مشاكلها بنفسها، وهكذا فمن ناحية يتم فض هذه القضايا دون نقلها إلى الساحة الدولية، ومن ناحية أخرى يتم مراعاة مصالح جميع المسلمين في الحلول المقترحة، كما أن تحرك العالم الإسلامي بشكل موحد يعطي مؤشرًا على قوته واستقراره. ومن أكبر أزمات العالم الإسلامي اليوم هو العجز عن اتباع سياسة مشتركة، كما أنه لم يستطع تطوير استراتيجية فاعلة حتى في المواضيع التي تهمه بشكل مباشر.
وفي الحقيقة فإن قيام الاتحاد الإسلامي سيمثل تطورًا إيجابيًا للغاية بالنسبة إلى الحضارات الأخرى وعلى رأسها الحضارة الغربية. فهذه الحضارات ستجد في الاتحاد الإسلامي مُخاطبها في المسائل المتعلقة بالمسلمين، وبالتالي يمكنها أن تقوي علاقاتها بالعالم الإسلامي سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. ومن جانب آخر يصبح بالإمكان حل القضايا القائمة بين الطرفين بطريقة أكثر سهولة. ونتيجة لكل هذا فإن قيام الاتحاد الإسلامي لا يمثل تطورًا إيجابيًا للمسلمين فحسب بل لجميع الإنسانية أيضًا.
وهناك مسؤوليات كبيرة أخرى تنتظر هذا الاتحاد الإسلامي، وهذا يبين أنه ينبغي أن يكون مركزًا فاعلاً ونشيطًا. ولكي يتمكن هذا الاتحاد من القيام بنشاطات منتظمة يتعين أن يكون له مقر دائم وأن تتأسس له مراكز لإصدار القرارات وتنفيذها، وتكون في ارتباط ببعضها البعض، كما يتحتم تشكيل وحدات صغرى، ومن الضروري مراقبة جميع هذه المؤسسات حتى تكون في نشاط مستمر. ومن أجل أن تكون القرارات المتخذة ناجعة و إيجابية ينبغي تأسيس البنية التحتية اللازمة لذلك. وهذا الاتحاد يجب أن يزرع الثقة من خلال نشاطاته، ويجب أن يكون الأعضاء على ثقة بأن حقوقهم مصانة على أحسن وجه من قبل هذا الاتحاد.
وفي هذا الإطار يتعين أن يكون أي تحرك منطلقًا من الاستشارة، ففي الآية الثامنة والثلاثين من سورة الشورى يقول الله تعالى: (وَالذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)، فعند تطبيق مبدأ المشاورة يكون كل فرد قد نطق بكلمة الحق، وفي الوقت نفسه تكون ثمة إمكانية لتقليب الآراء على جميع الوجوه قبل اتخاذ أي قرار، وهذا ما يقلص من احتمال الوقوع في الخطأ ويرجِّح فرص التوصل إلى القرار الصائب.
إن أهم جانب في موضوع الاستشارة هو الاحترام الذي يسود بين أصحاب الآراء المختلفة وكذلك تقبل آراء بعضهم البعض بتفهم ورحابة صدر. ففي أجواء المشاورة لا يُنظر إلى صاحب الرأي الذي أخذ به بل يُنظر إلى الرأي الأكثر صحة وإصابة. وبتعبير آخر فإن الغاية الأساسية من المشاورة هي التوصل إلى القرار الذي يكون أكثر فائدة بالنسبة إلى المجتمع وأقرب إلى الصحة من غيره. فالأخلاق الإسلامية تفرض على المؤمنين ألا يصروا على آرائهم وأن ينزلوا عند الرأي الذي يكون متفقًا مع الضمير والعدل والخير مهما كان مصدر هذا الرأي. وعلى المؤمنين أن يحذوا من العناد والإصرار النابعين من التكبّر كأن يقول أحدهم "يجب أن يكون رأيي هو المقبول" أو "إن رأيي هو الصحيح"، فهذا السلوك منبوذ عند الله تعالى، "...وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ." (يوسف:76). وكما هو وارد في هذه الآية الكريمة على المسلم أن يعلم أن ثمة من هو أعلم منه وأن من الخطأ أن يزعم أن رأيه هو الأصوب.
إن الاتحاد الإسلامي مطالب بالتعامل بمرونة أكثر وذلك بالنظر إلى الظروف السياسية المتغيرة،كما أنه مضطر إلى تطوير استراتيجياته من أجل الوصول إلى وجهات نظر أكثر تقدمًا. فمن الواضح أن الاتحاد لن يكون مجرد منظمة تكتفي فقط بإبداء ردود الأفعال أو التعبير عن التنديد والاستنكار، وإنما سوف يكون مركزا فاعلا قادرا على المبادرة والفعل. وعلى هذا المركز أن ينهض بوظيفته التي تتمثل في المتابعة والتنسيق المستمرين، كما ينبغي لنشاطاته أن تشمل جميع الدول الأعضاء. وهذا الاتحاد يقوم بتقييم جميع التطورات والأحداث بكامل الموضوعية، وينبغي أن يكون جاهزا لتلبية حاجة جميع المسلمين في العالم. ومن وظائف الاتحاد الإسلامي هو إزالة التوترات التي يمكن أن تنشأ بين الدول الأعضاء وفض النزاعات التي تولدها المصالح المختلفة، كما أن من مهامه إيجاد آليات لحماية المسلمين في علاقاتهم بغيرهم المجتمعات الأخرى. والاتحاد كفيل كذلك بزيادة فاعلية العالم الإسلامي ثقافيًا واقتصاديًا وسياسيًا.
الاتحاد الإسلامي القوي هو الحل لجميع المشاكل
إن من أهم المشاكل الأخرى التي تعاني منها بعض الدول الإسلامية هي مشكلة التخلف، ولهذا السبب فإن من الأهداف العاجلة للاتحاد الإسلامي هو تنمية أوضاع المسلمين في العالم والنهوض بها ودعم الدول الفقيرة لحل مشاكلها الاقتصادية. وعلى جميع الدول الإسلامية:
- أن تكافح الفقر،
- وأن تحث على الاستثمار لإحداث فرص عمل جديدة،
- أن تحرص على حماية الاستقرار والنظام الاجتماعيين،
- أن توفر العدالة الاجتماعية وتزيل الظلم الاقتصادي،
- أن تقوي علاقاتها الدولية والإقليمية وتوسع من مجالات التعاون،
إن من الضروري تقليص المصاعب التي يعيشها العالم الإسلامي والتي نجمت عن الفوارق المادية، ومن الضروري إقامة وحدة بين الدول الإسلامية في المجال الاقتصادي والسياسي وأهم من كل ذلك في المجال الثقافي، والنهوض بالدول المتخلفة ومدها بما تحتاجه من الإمكانيات. ومن ثمار هذه الوحدة هي النمو الاقتصادي والتقدم العلمي والتكنولوجي.
إن زيادة الاستثمار في الميدان الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي سوف يساهم في تنمية الاقتصاد وتطوره بشكل أكثر سرعة. ولا شك أن التطور الاقتصادي سوف ينجم عنه بصفة طبيعية تحسن في الميدان التربوي والتعليمي، وبالتالي فإن المجتمع سوف يتطور بصفة سريعة. ويمكن للأفراد الذين يعيشون في ظل هذا الاتحاد الإسلامي أن يتنقلوا دون أن تمنعهم الحدود ودون أن تُطلب منهم..