الليلة ستحتفي الطيور باشجار ذاكرتها العالية”، قال لي صديقي ،وكنت أحاول ان أفيق من نومي، وقال:”ستجد تذكرتين على باب المركز الثقافي”. وقلت بسرعة “حسنا سأكون هناك”.
وضعت هاتفي النقال على حافة النافذة قرب سريري وبدأت باستيعاب فكرة انني صحوت،هذا من جهة ومن جهة اخرى لاحظت انني في الليلة الماضية علقت بنطالي على لوحة قاطفات البرتقال، ورميت القميص على المدفأة وتركت الكتاب مفتوحا فسقط، وعندما نهضت كي اضع ركوة القهوة على النار تعثرت بالكندرة.
ياما قالت لي امي “لا تخلع حذاءك في الطريق” ولم اترك تلك العادة ، وما أن ذرعت الممر بين الغرفة والمطبخ حتى انتبهت :
لماذا قال لي “ستجد تذكرتين” مع انه يعرف انني وحدي؟ كما أنه يعرف اننا افترقنا انا وأنت، هذا من جهة ومن جهة أخرى لن اتصل بك حتى لو وقفت كالشجرة، لن اتصل بك ولن ادعوك ، بل اريدك ان تذهبي الى الجحيم.
مع ان كلينا احب تلك الطيور، وهي تمد ريش أثوابها المطرزة وتطير الى كروم علقتها الظروف على زجاج البنايات الشاهقة، لكنني سأفضل ان امزق البطاقة الفائضة أو اطعمها للكلاب أو يمكن ألا أذهب ولن ادعوك مطلقا.
نسيت كم ملعقة بن وضعت على الركوة ولكن ما علينا، زيادة القهوة قهوتان.
لكنني لن أدعوك لتحضري الإحتفال معي.
ربما تأتين وحدك انت حرة فالمسرح ليس ملك ابي ، كما لن أكترث بعودتك الى بيتك بعد منتصف الإحتفال، ليكن ان تقفي على الرصيف ليلا ويرجمك العابرون بالعبارات: “ايش يا ميش” ،”امشي على رمشي” ، ” روح يا مجروح”.
لكنني سأعطي البطاقة الفائضة لأول مشرد أجده في الطريق ثم، ولأكن صادقا مع نفسي وصريحا معك، انت حتى لم تصنعي القهوة ولو مرة واحدة كما احبها، منذ عرفتك حتى افترقنا وأنت تسألين”سادا أم وسط؟” وفي كل الحالات تأتين بها كغسيل الجرابين، خفيفة وبلا نكهة .
هذا من جهة ومن جهة أخرى أذكر أنني وقفت الف مرة جانبك وقلت لك:
“هكذا تضعين ملعقة ماء بارد على القهوة وتعيدين غليها على النار الهادئة” .
ويومها نظرت في عيني تلك النظرة بالذات وقلت لي بكلام يشبه الهمس:
“كيف تكون النار نارا وهادئة في نفس الوقت؟”.
يومها سكنتنا أرواح الذئاب في البرية حتى تبخر الماء في الركوة، ولم نعد بعدها لدرس النار والقهوة.
أما الآن فلن ادعوك للجلوس جانبي أو حضور احتفالات الطيور بأعياد الحصاد وهي تمد جذورها في تراب الأبجدية.
ثم انني لا أعرف كيف أرسل لك البطاقة حتى لو ضعفت ودعوتك، وليس بوسعي ان افتعل مصادفة مع صديقتك مثلا لأنني لا أضمن أن تدعوا زوجها فأخسر بطاقتي.
كما لم اعد مستعدا لأعمال تنتمي لعالم الشقاوة كأن امر قرب بيتك وأدس البطاقة من تحت الباب وأهرب.
أنت في كل الحلات تعرفين انني احب احتفالات الطيور ولو اردت أن نلتقي لجئت دون دعوة. هذا من جهة ومن جهة اخرى سيكون جميلا ومؤثرا جدا ان يراني الجميع أجلس قرب مقعد فارغ وقد أطعمت تذكرتك للكلاب.
ارتحت جدا لتلك الفكرة ، عدت من المطبخ الى الغرفة رفعت الكتاب الساقط وضعته على الطاولة، قرب ركوة القهوة… وفنجانين.
خالد الرواضيه