ويقول سبحانه وتعالى
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا
كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
عن عائشة رضى الله عنها أن قريش أهمتهم المرأة المخزومية التى سرقت فقالوا من
يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجترىء عليه إلا أسامة حب رسول الله
فكلم رسول الله فقال ( أتشفع فى حد من حدود الله ) ثم قام فخطب قال ( يا أيها
الناس إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف فيهم
أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها )
وإحمر وجه الحبيب صلى الله عليه وسلم من الغضب وها نحن يحمر وجهنا نحن
الغيورين على أمتنا لما يحدث فيها من هلاك لما يحدث فيها من هذه المعصية التى
تحتاج إلى توبة نصوحا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ
تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ
وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا
يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا
نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
والتوبة النصوح هنا لابد من شرطها الرابع لقبولها ألا وهو رد المظالم إلى
أصحابها بالإضافة إلى الشروط الثلاث ( الإقلاع , والندم , عدم العودة للذنب
مستقبلا )
وبدايتا لا أقصد بمقالى هذا سارق الأحذية من المساجد فهذا مذنب قد تردعه خطبة
منبرية فيتوب ويرجع الأحذية التى سرقها لأصحابها حتى لوإفترضنا أنه لم يردع
فضرره فردى وأثره مؤقت أن يمشى المسروق حافيا للحظات أو يلبس نعل من ميضة وضوء
المسجد حتى بيته ثم يرجعه فورا
ولاكنى أقصد بحديثى هذا من يسرق أمة بأكملها يصيب ضرره الشعب كله بمسلميه
وغيرهم والله لا يقبل من غير المسلم أية دعوة إلا دعوة واحدة إذا كان مظلوما
فى حديث أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم (إتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا
فإنه ليس دونها حجاب ) فما بالك بمن يدعوا عليكم ليل نهار وهم ساجدين لله
أخى فى الله قد تقع فى المعصية وأنت لا تدرى
عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض)
إلى كل المسؤولين ورؤساء العمل والمديرين والوزراء والقادة فى بلاد الإسلام
أقول لكل من يرأس عشرة من الناس فأكثر
قد تشغل منصب ما تستغله لمصلحتك وفى الحديث عن أبو اليمان أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ( إستعمل عاملا فجاءه العامل حين فرغ من عمله فقال يا رسول
الله هذا لكم وهذا أهدى لى فقال له (أفلا قعدت فى بيت أبيك وأمك فنظرت أيهدى
لك أم لا , فوالذى نفس محمد بيده لا يغل أحدكم منها شيئا إلا جاء به يوم
القيامة يحمله على عنقه إن كان بعيرا جاء به له رغاء, وإن كان بقرة جاء بها
لها خوار, وإن كانت شاة جاء بها تيعر, فقد بلغت ) كل هذه أدلة من الكتاب
والسنة على حرمة من يستغل منصبه فى الثراء على حساب الأخرين
رحم الله عمر بن الخطاب رضى الله عنه أول من طبق قانون من أين لك هذا ؟ وبدء
بنفسه والقصة مشهورة ففى عام الرمادة ربط الحجر على بطنه من الجوع وكركرت ذات
مرة وهو على المنبر فقال لها كركرى أولا تكركرى لن تشبعى حتى يشبع أطفال
المسلمين
فولى الأمر فى منزله يطعم أطفاله أولا على سفرة الطعام يبدء بالصغار الذين
يبكون من الجوع ثم الأكبر فالأكبر ويكن هو أخر من يشبع يأكل ماتبقى منهم من
لقيمات قد غضبوا عليها هم وهكذا ( كلكم راع ومسئول عن رعيته فالإمام راع وهو
مسئول عن رعيته والرجل فى أهله راع وهو مسئول عن رعيته والمرأة فى بيت زوجها
راعية وهى مسئولة عن رعيتها والخادم فى مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته )
وفى
رواية والرجل فى مال أبيه راع وهو مسئول عن رعيته
ولو تدبرنا الحديث لرأيناه بدء بالإمام وإنتهى بالخادم فالقائد فى البلد
المسلم أول من يجوع فى شعبه وأخر من يشبع هذا هو ديننا منهج حياة
يتعامل مع إبنه
ككل الشباب والخريجين فكلهم أبنائه فهو رب العائلة كما سموا أنفسهم ولا كلا م
وبس
أذا أصاب الشباب بطالة كان إبنه أول العاطلين واقفا فى طابورهم يعش آلآم من
فى
سنه يشاركهم أحزانهم وأفراحهم
ذهب سيدنا عمر إلى سوق المواشى ليتفقد الأحوال الإقتصادية
للتجار فرأى إبل سمينة فقال مالى أرى هذه الإبل سمينة غير بقية إبل المسلمين
لمن هذه قالوا هى لإبنك عبد الله فنادى على إبنه أمام الناس وسأله أين تأكل
وأين تشرب فرد فى مراعى المسلمين فهز سيدنا عمر رأسه وقال فهمت القضية يقول
الناس إسقوا إبل بن أمير المؤمنين أطعموا إبل بن أمير المؤمنين حتى سارت إبلك
خير من بقية إبل المسلمين يا عبد الله بع الإبل وخذ رأسمالك فقط وضع الربح فى
بيت مال المسلمين فإنه ليس من حقك لأنك إستغللت منصب أبيك ونفذ إبنه على
الفور
هذا عمر الذى إشتهت زوجته ذات يوم حلوى ووفرت 10 دراهم من راتب الشهر دون أن
يشعر سيدنا عمر أن الراتب نقص فأصدر قراره الجمهورى يا خازن بيت مال المسلمين
إخصم من راتب عمر 10دنانير بأثر رجعى منذ أن توليت إمارة المسلمين ونفذ
الخازن على الفور
وقالوا لأمير المؤمنين عمر أوصى بأن يخلفك إبنك فى الحكم قال لا والله كفى
من
آل الخطاب أن يسأل فيها عمر عن أمر المسلمين
والله لو عثرت دابة فى العراق لأعددت نفسى مسؤولا عنها يوم القيامة لما لم
تسوى لها الطريق يا عمر ؟ رحمك الله يا أميرنا كفانا من سيرتك هذا فإسمك قد
يزعج البعض هداهم الله ؟
نرجع لموضوعنا
عن عباس بن سهل بن سعد قال سمعت ابن الزبير على المنبر بمكة في خطبته يقول يا
أيها الناس إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ( لو أن ابن آدم أعطي واديا
ملئا من ذهب أحب إليه ثانيا ولو أعطي ثانيا أحب إليه ثالثا ولا يسد جوف ابن
آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب )
فندائى بحنان وحب وشفقة عليكم يا أهل هذه المعاصى فى بلادى أذكركم بهذا
الصراخ
(مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ{28} هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ)
ستقف عريانا يوم القيامة وقد فر كل من حولك وأولهم أهل بيتك وأسرتك ( يَوْمَ
يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ{34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ{35} وَصَاحِبَتِهِ
وَبَنِيهِ{36} لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )
وإذا بمرؤوسيك الذين كانوا فريق عملك المقربين والذين كانوا فى عداء دائم مع
المصلحين {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ
لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }النمل
والذين أغدقت عليهم بأعلى الرواتب والمناصب دون غيرهم
(وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا
نَحْنُ الْغَالِبِينَ{113} قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}
ولكن السحرة تابوا فورا بمجرد معرفتهم الحق خروا لله سجدا
وهذا ندائى أيضا للمستفيدين من الوضع الحالى لأنه يهدد مصالحهم الشخصية وهم
كثيرون فى بلادى لن ينفعكم من تحتمون فى سلطانهم فهم لن يجدوا من ينفعهم
كونوا كالسحرة خذوا قرار كم الأن أرجعوا كل ما أخذتموه من حقوق الأخرين فورا
وليكن ندائكم
وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ{120} قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ
الْعَالَمِينَ