أجملُ شيء في حياتنا هو: الحب.. أجمل الأشياء على الإطلاق! إنه العشق! سعادة ترتعش في قلوبنا، وكلمات ترتعد على شفاهنا، وخيالٌ مزركش في تطلعاتنا يملأ الوجود من حولنا بالشعر والشعور.. إنه العشق الذي يملأ حياتنا بالإثارة، ويُشعل في أوقاتنا النبض والحرارة، ويسري في أجس...ادنا كما تسري الكهرباء في الأسلاك فتُنير الآفاق وتمنح الطاقة والنشاط، إنه قوس قزح الذي يملأ سماءنا بالألوان، والجو مُغَبَّر كئيب، ويُمطر سحائب السعادة الوجلة من فوقنا والسماء بلا سحاب، ويأتي بالربيع قبل الربيع، ويجعل مكاننا يُخْصب والمكانُ قَفْرٌ جديب.. إنه بَدْرُنا في الليلة الظلماء، وشمسنا في صقيع الشتاء، وأملنا الذي يكفي ولو خابت باقي الآمال.. ٭٭٭ ولكن كيف يحدث هذا الشيء العظيم؟ كيف يحدث أجمل شيء في حياتنا؟ قبل أن نحاول الإجابة نقرأ ما وجدنا أصلاً من تعريف لهذا المبهر الجميل: الحب.. فهو لجلاله وجماله.. لسحره وغموضه.. يكاد يستعصي على التعريف، ولكننا نحاول.. وننقل أفضل ما وجدنا من تعريفات العاشقين والمفكرين وحكم الأولين والآخرين: 1 - الحب هو شوق النفس الإنسانية الملحّ إلى الجمال.. 2 - الحب هو اكتشافٌ لشقاء الوجود، وفرارٌ من هذا الشقاء.. 3 - الحب فجَّر سعادة القلوب.. 4 - الحب واسطة للخلاص.. 5 - الحب استغراقٌ في الجمال.. 6 - الحب! .. إن من لا يتذوقك يستحيل عليه أن يتصورك! 7 - الحب رمز الأبدية لا يعبأ بالأوقات والفصول.. 8 - الحب شوقٌ إلى الخلود.. 9 - الحب كالنور نعرف ما هو ولا نعرف على وجه التحديد العناصر التي يتكون منها.. 10 - الحب هو التعزية الوحيدة الناجحة في هذه الحياة! 11 - الحب معاهدة مع السعادة والجمال.. 12 - الحب شعاعٌ سحري!.. 13 - الحب هو التحرر من العزلة النفسية.. 14 - الحب ولادةٌ في الجميل قلباً وقالباً بدناً وروحاً!.. 15 - الحب صداقة شبَّت فيها النار! 16 - الحب يجعل الحمير ترقص!! 17 - الحب استمداد سعادتنا من جمال شخص آخر.. 18 - الحب نصف يبحث عن نصفه الآخر.. 19 - الحب تجربة تبغى لنفسها الخلود ولكنها لا تعيش إلا عمر الورود! 20 - الحب شيءٌ جسدي في صميم الروح ذاتها.. 21 - الحب هو تلك الإمكانية التي تسمح لشخصين بأن يكونا مَنْ هما.. 22 - الحب عمى الحس عن عيب المحبوب.. 23 - الحب هو أن نمزج سعادتنا بسعادة شخص آخر.. 24 - الحب حركة النفس الباحثة عن أجمل ما في الوجود! 25 - الحب محطة الاستراحة الوحيدة من تَعَب الحياة! 26 - الحب أعظم حفلة تكريم مستمرة لخيال السعادة! 27 - الحب شعورٌ بالهوية الشاملة لجميع الموجودات! 28 - الحب توافق بين الحاجات الحيوية والأشواق الروحية.. 29 - الحب فرحٌ يجول داخل الروح! 30 - الحب شعْرُ الحواس! 31 - الحب مفتاح كل ما هو عظيم في الحياة.. 32 - الحب هو الطفل الجميل الذي لا نجد سعادة في حياتنا ما لم يبتسم لنا! 33 - الحب اتحاد روحاني وامتزاج نفساني.. 34 - الحب كالسعادة الجميع يتحدث عنها ولكن مَنْ شاهدها؟ مَنْ أمسك بها؟! 35 - الحب هو جاذبية نيوتن، وهو الفراغ المُنْحَني عند انشتاين وهو العشق عندنا نحن البشر! 36 - الحب عدولٌ عن كل امتلاك وكل امتزاج وكأننا نتخلى عن وجودنا لكي يوجد ذلك الموجود الذي نحبه! 37 - الحب اندفاع روح إلى روح وجسد إلى جسد! 38 - الحب أرقى مظاهر الحاسَّة الإنسانية.. 39 - الحب رؤية الحبيب في المشهد والمغيب! 40 - الحب هو الجمال والجمال هو الحب! 41 - الحب قوة لا تقاوم بحيث لا ترغب في مقاومته! 42 - هذا هو الحب: إنه الذي لا يعرف (لا) قط! 43 - الحب هو ما يُشْغل كوامن النفس ويُشْعل منافذ الحس! 44 - الحب دمعة من سحابة السعادة! أقوالٌ كثيرة.. أشعارٌ ودواوين.. لوحات وسيمفونيات.. أغانٍ ومواويل.. قصص لا تنتهي وروايات.. خواطر وأفكار ومقالات.. كتب ومذاهب وفلسفات.. كلها تدور حول الحب كما تدور العيون حول النجوم والمجرات.. وما من وصول! ٭٭٭ ويقول شاب سوري: كنا طلبة ندرس في أسبانيا، وكان سفيرنا هناك نزار قباني بكل وَهَجه وشعره وحبه الذي ملأ الدنيا به! وكنا مجموعة من الشباب نتعلم ونفكر في الحب.. ونحلم.. واحترنا أصلاً ما هو الحب وكيف نصل إليه وما هي شروطه ومواصفاته! وقلنا: ما لنا إلا نزار!.. كبيرنا وسفيرنا وسفير المحبين على الأرض!.. وتعبنا حتى أخذنا موعداً مع الأستاذ في فندق فخم حدده هو! وحضرنا بكل نضارتنا وأناقتنا نحمل معنا سؤالاً واحداً.. ما هو الحب؟! وحضرنا قبل الأستاذ وانتظرنا على شوق ونار ننتظر أن يحضر ويفك لنا طلاسم الحب ويقدم لنا مفاتيح قصره المسحور!.. وحضر الأستاذ بعد طول انتظار.. وقدرنا أن النقاش معه لن يقل عن ساعتين في موضوع أساسي نذر له حياته وشعره وكتاباته، وشغلنا حتى النخاع! ولكنه بمجرد ما حضر وألقينا عليه الموضوع بهذا السؤال: - ما هو الحب يا أستاذ؟! أنهى الاجتماع الذي انتظرناه شهراً في نصف دقيقة! وقف غاضباً وقال وهو يشير إلينا بيديه مهدداً: كل هذا الاجتماع للسؤال: ما هو الحب؟! أنتم الحب!! وأنتم في بلاد الحب!!.. اخرجوا واحبوا!! وخرج يستشيط من الغضب!! ٭٭٭ وأظن أن نزاراً أعطاهم الجواب الكافي!.. فلكي تعرف ما هو الحب عليك أن تقع في الحب!.. وكلما كانت الوقعة أشد كانت المعرفة أعمق!!.. وإن وقعتَ في الحب على رأسك.. والأفضل (من رأسك لساسك!!) عرفت الحب أكثر! ٭٭٭ وإذا تسألنا: ولكن كيف يحدث لنا الحب؟ وبمعنى أوضح: لماذا يحب العاشق هذه المرأة بالذات من دون نساء العالمين ولا يريد غيرها من نساء العالمين؟! ولماذا تحب العاشقة ذلك الرجل بالذات من بين رجال الكون ولا ترى غيره في الوجود ولا يحل أحدٌ محله في الكون؟! نعتقد أن الجواب هو أن تلك المرأة (تبلورت) في خيال العاشق حتى صارت هي الكل في الكل، سحره، شكلها، ولطفها، وصوتها، وقدها، وأناقتها، وأحاطت بخياله هالة متكاملة نحوها في شكلها وأهلها في روحها وطلعتها كلها على بعضها.. والمرأة إذا (تبلور) في خيالها معشوقها فهو الكامل بين الرجال لا تريد ولا ترى سواه.. و(التبلور) هو التكامل الخيالي بحيث يتلألأ المعشوق في خيال العاشق كالبللور الصافي النقي لا تشوبه أي شائبة! ولا شيء يُحْدث هذه (المعجزة الكمالية!) سوى الخيال!.. الخيال لا يحده حد!! ولكن كيف يصنع المعشوق هذه المعجزة الخيالية في خيال العاشق؟.. إنه سر الحب النابع من سحر الحبيب الذي وقع على هذا العاشق بالذات لأنه خلطة سحرية مجهزة لسحره شخصياً! خلطة خاصة ساحرة يراها العاشق بعينه وقلبه وخياله وإن أنكرها الآخرون وماذا يهمه من الآخرين يهمه عيونه وقلبه! وقد عبَّر شاعران عن سر الحب هذا وحاولا بكل خيال الشعر، والشعر هو الأقرب للحب والأقدر على فهمه! الأول الشاعر العربي إبراهيم ناجي: أيُّ سرّ فيك إني لستُ أدري كل ما فيك من الأسرار يُغْري خَطَرٌ ينسابُ من مُفْتَرِّ ثَغْر فتنةٌ تعصف من لفتة نَحْر قَدَرٌ يَنْسجُ من خَصْلَة شَعْر زورقٌ يسبح في موجة عطْر في عُبَاب غامض التيار يجري واصلاً ما بين عينيك وعُمرْي! ومن يسمعها بصوت عبدالوهاب يسري فيه التيار!.. ولكن أي سر؟!.. مفتر ثغر.. لفتة نحر.. خصلة شعر؟.. كل الحسان لديهن ذلك.. وأكثر!.. السر في البيت الأخير: في عُبَاب غامض التيار يجري واصلاً ما بين عينيك وعُمرْي فهذا العُبَاب الغامض التيار هو الذي جرف العاشقين الأولين والآخرين، وسيظل يجرفهم إلى يوم الدين! والثاني الشاعر الشعبي محمد الأحمد السديري: «لولا الرجا واعلل النفس بوعودْ بوعود خلّ صار شوفه شفاقه لولاه ما عودت نفسي على الكودْ وهو الوحيد اللي عشقته عشاقه خلِّي سحر هاروت بشفاه معقود اللي نهب مكنون قلبي سراقه ما دام موجود فالحب موجود وسط الضماير مبهمات اغلاقه» ومن يسمعها بصوت طلال يسري الحب في دمه ويملأ خلاياه وحناياه، وسحر هاروت جزء من الموضوع، والموضوع كله هو البيت الأخير: «ما دام هو موجود فالحب موجود وسط الضماير مبهمات اغلاقه» فالسر هو الحبيب الذي يبهرنا شخصياً.. لكل شخص خيال في الحبيب خاص.. وحين يوجد هذا الحبيب الذي صوره الخيال سابقاً يوجد الحب فوراً: «ما دام هو موجود فالحب موجود وسط الضماير مبهمات اغلاقه» وسط الضماير؟.. التبلور الخاص الذي يريده ويصنعه كل محب في حبيبه فيصبح المحبوب هو الحب، والحب هو المحبوب، شيء تحسه القلوب ولا تستطيع وصفه.. إنه يُشَاهد ولا يُوصف..