سألت الجرح أن يمتد في عمري ويحمل وجهي الآتي
ويكتب كل أتعابي بجنح فراشةٍ بيضاء
يمسح همي المدفون في الأعماق من ذاتي
فيا وجعاً تسمَّر فوق نافذتي وأبوابي
ويا حزناً سماوياً يكوّر ليلي الشاتي
ويا رملاً تلاهب خطوى أصحابي
ترفَّق لستُ من حجرٍ وأخشابِ
ولا أثوابي البيضاء حين تلفني أكفان أمواتي
ترفَّق ليس في عيني غير ضبابةٍ علقت بأهدابي
ترفق ليس في الأضلاع غير فؤادي الكابي
وغير الملح يغمر مدمعي الخافي
وصورةَ طفلةٍ بين الأسى والحب
تحمل وجهي الآتي
وتدمي من مآسيها وآهاتي مآذن للنداء وألف محرابِ
ترفَّق يا عباب البحر
ليس هناك غير دمعي وبقية من شراعاتي
سأرفعها بوجه الريح
علّي أهتدي لرفاق أحبابي
ترفَّق لستُ من حجرٍ وأخشابِ
سألت الدرب أن يمتدَّ بي
فأرى أصحاب الأمس حولي مثل ما كنَّا
نُخبّئ في زوايا المسجد المهجور أحرفنا
ونكتب بالدموع رؤى التراتيل السماوية
ونخفَى في ظلال النخل خوفَ ألفَ أُميّا
ونفرح حين تأتينا وريقات مخبأة
ونقرأ خلف كل إشارةٍ معنى
ونخشع حين نسمعها بقدسية
وكنَّا نفتح الجرح العميق وندفن الأسى على عطشٍ
لتهطل حولنا الأمطار
وكنًّا نحمل الحزن ليحمل غيرنا الفرح الندي
ويكثر النوّار
فيا ليلاً أقام بقلبي المظنى
وعدنا فيه أغراباً
تمر بدرب أغرابي
ترفَّق فاحتضار الروح مني بعض أتعابي
ترفَّق لستُ من حجرٍ وأخشابِ
سألتُ القلب أن يُبدي الأسى في لحظة الذكرى
وأن يبكي لعلَّ الأدمع الحرَّى
تُذيب جليده المدفون في أضلاعه سرّا
لعلَّ الأدمع الحرَّى تُذيب بمقلتيه القارَ والصخرَ
لعل جراحه تبرى
سألت القلب أن يُبدي الأسى في لحظة الذكرى
فأخبرني بأنك إن غسلت الجرح من لجراحك الأخرى
ومن ذا ينشر العطرَ
إذا مرَّ الخريف وأذبَلَ الأوراق والزهرَ
وأخبرني بأنك إن قضيت ظماً فمن ذا يعبر البحرَ
ومن ذا يهتدي البدرَ
لأنك ضعت عند الليل في المسرى
وأخبرني بأن نتفيأ الجمرَ
لأن العاصفات إذا إلتوَت لا ترحم الصقرَ
وأن مشية العشاق ترقبُ أن تضم الخطوة الحيرى
وأن الجرح يأبى أن تضمّده بليلٍ مقلةٌ عبرى
وأخبرني بأن الطفَّ مازالت تردُ على ثراه الأضلع الحرّى
ومازالت ملطخة هناك الأذرع البترى
ومازال الرضيع يذوب من عطشٍ
فتمسح وجهه الحورا
ومازال الحديد يأنُّ
يُتقن مشية الأسرى
فيا نصلاً يمزقني ويطلب من بقايا جثتي الأجرَ
ترفَّق لستُ جاهلاًً لأرقى القمة الكبرى
ولكني سأفتح ذلك السترَ
وأبحر في شرايين الحروف لعلني أقرأ
ملامحه وتلك الوجنة السمرة
وبسمته تضم بروعةٍ فجرا
وشيبته تفيض حنانه الأبوي والطهرَ
وجزءاً مثل طيف الشمس
يبدوا لونه سحرا
على جرح الحقيقة ينثر العمرَ
ويسقيها على يبسٍ
لتحضنها أكف المتعبين نديةً خضرة
ومن بعنائها أدرى
يرى الشمع المذاب بدربها دهرا
ومن أدرى
من الأوداج حين تعانق السكينةُ النحرَ
ومن أدرى
من القلب المدمَّى
إذ يغوص النصل في أضلاعه اليسرى
فيا طيفاً على أجفاننا مرَّ
سننسى ألف جرحٍ
ثم يبقى جرحك النازف لا يبرى
عرفتك حين كان الناس في إغفاءة الخدرِ
رأيتك تقرأ الآهات خلف فواصل السورِ
سمعتك تنشد الغفران للغجرِ
عرفتك حين السحاب عاد وليس من مطرِ
وراح وليس من مطرِ
يشدُّ عرونك التجوال من سفرٍ إلى سفرِ
وأبقَى الهمَّ في خديك مثل ملامح القمرِ
كأنك تستغيث بألف قلبٍ قُدَّ من حجرِ
وكنَّا صوت نادبةٍ تنوح لآخر العمرِ
وتنتظر المواسم علَّها تأتي على قدرِ
لعلَّ هناك من خبرِ
ولكن ليس في الطرقات للآتين من أثرِ
سوى خطوات ركبٍ مرَّ في السحرِ
تلوّى في الدروب وشدَّ من عينيه بالحذرِ
وغطَّى أصوت العثرِ
بصبر النخل أو بجراح منتصرِ
ومرَّ بنغمةٍ خضراء ما ارتجفت على وترِ
ولا خفقت عليها راية التترِ
ولا ركعت لنصل القاتل الغجرِ
ولا خشعت بدرب الخوف مثل عيون محتضرِ
وكانت تنذر الأرواح
ثم يجيء ركبك محزوناً
فيوفي الكل بالنذرِ
الأربعاء مارس 08, 2023 8:57 pm من طرف 
