روما : الجدل الذي يصاحب زيارات الزعيم الليبي الخارجية لم يفارقه في روما ، حيث تسببت " صلاة القذافي " في نشوب أزمة دبلوماسية بين ليبيا وايطاليا ، وكاد الأمر أن يتسبب في إلغاء زيارة معمر القذافي لولا تدخل رئيس الوزراء الإيطالي سليفيو بيرلسكوني في اللحظات الأخيرة ونجاحه في نزع فتيل الأزمة.
وفي هذا الصدد ، كتبت صحيفة "الحياة" اللندنية تقول إن الزعيم الليبي معمر القذافي اختتم السبت زيارة رسمية لإيطاليا استغرقت أربعة أيام التقى خلالها رئيس الجمهورية جورجو نابوليتانو ورئيس الوزراء سيلفيو بيرلسكوني ورئيس مجلس الشيوخ ريناتو سكيفاني وعدداً من السياسيين، كما عقد لقاءات مع صناعيين إيطاليين وحشد من النساء الإيطاليات ، ورغم أن الأمور في البداية كانت تسير بشكل جيد ، إلا أنه في ختام الزيارة حدثت تطورات دراماتيكية.
فطائرة القذافي أقلعت من روما عند الساعة 11.40 بتوقيت جرينيتش، أي قبل ثلاث ساعات من موعدها المحدد ، ولم يكن واضحاً هل لذلك أي علاقة بـ "الإشكال الدبلوماسي" الذي حصل في 12 يونيو / حزيران عندما ألغى رئيس مجلس النواب لقاء مع القذافي لتأخر الأخير عن الوصول لساعتين من دون تقديم مبرر لذلك.
وكان رئيس مجلس النواب الإيطالي جيانفرانكو فيني قال للإعلاميين الذين كانوا يترقبون المؤتمر الصحفي عقب اللقاء مع القذافي :" إن على أن أبلغكم بأن اللقاء الذي كان مفترضا عقده في الساعة الخامسة عصراً مع رئيس الجماهيرية الليبية لن يعقد بسبب التأخير لأكثر من ساعتين لم يتسلم خلالهما رئيس مجلس النواب أي تبرير عن التأخير حتى هذه الساعة ، لذا، وبعد تحملي المسئولية كاملة ولإيماني بالدور الذي يمتلكه البرلمان في نظام ديمقراطي، أعلن قراري إلغاء اللقاء".
وفيما بعد ، أصدرت السفارة الليبية في روما بياناً بررت فيه تأخر القذافي عن موعده مع فيني بانشغال الزعيم الليبي بصلاة الجمعة ، مشيرة إلى أن إلغاء فيني للقاء أثار غضب الجانب الليبي.
وفي محاولة لنزع فتيل الأزمة ، سارع رئيس الحكومة بيرلسكوني إلى لملمة الوضع عبر زيارة خاطفة لخيمة القذافي المنصوبة في حديقة "فيلا دوريا بانفيلي" في روما ، حيث قدم له ما يشبه الاعتذار ، وأدلى بعد اجتماعه مع القذافي بتصريحات أكد خلالها أنه تم التعامل مع معمر القذافي على أنه رئيس مختلف، فالكل يعلم أنه مختلف قليلاً ، قائلا :" لكن إن اكتشفتم كيفية التعامل مع زبون مختلف، فستكسبونه مدى الحياة".
ويرى مراقبون أن ممارسات الاستعمار الايطالي ضد الليبيين كانت الحاضر الغائب في زيارة القذافي لروما ، حيث بدت الزيارة وكأنها محاولة لتركيع ايطاليا التي طالما مارست أبشع الجرائم بحق الليبيين.
ومن أبرز الدلائل على ما سبق أن التأخير كان صفة ملازمة لكل مواعيد الزعيم الليبي مع القادة الإيطاليين ابتداء بلقائه الأول مع رئيس الجمهورية نابوليتانو في يوم وصوله إلى روما .
كما استفز القذافي الايطالييين في أول زيارة له لروما منذ حوالي 40 عاما ، عندما حمل على صدره صورة بالأبيض والأسود لمشهد اعتقال الزعيم الليبي عمر المختار عام 1931 موثقا بالسلاسل من قبل سجانيه الإيطاليين الذين كانوا يستعمرون ليبيا في ذلك الوقت .
وقالت صحيفة " الإندبندنت " البريطانية في هذا الصدد : "القذافي الجامح يستفز إيطاليا في أول زيارة لروما منذ 40 عاما ، الصورة تظهر اعتقال قوات الاستعمار الإيطالي لزعيم المسلحين اللبييين عمر المختار".
ولم يكتف بما سبق ، بل إن القذافي اصطحب معه أيضا محمد عمر المختار ، ووفقا للصحيفة فإن نجل عمر المختار المسن معتل الصحة والذي وجد صعوبة كبيرة في النزول من على سلم الطائرة وقف خلف القذافي بثوبه العربي الأبيض وكان واحدا من بين وفد من 300 شخص يرافقون الزعيم الليبي.
وأشارت " الإندبندنت " إلى أن فيلما يصور الكفاح ضد الاستعمار الإيطالي والذي أنتج في الثمانينات بتمويل ليبي تحت عنوان " عمر المختار " للمخرج السوري العالمي الراحل مصطفى العقاد قد تم بثه أيضا على التليفزيون الإيطالي في 11 يونيو وذلك للمرة الأولى ، فيما يبدو وكأنه استجابة لرغبة القذافي أيضا .
وكان الزعيم الليبي معمر القذافي وصل إلى العاصمة الإيطالية روما في 10 يونيو / حزيران في أول زيارة له لإيطاليا منذ توليه السلطة عام 1969، وأثار انتباه وسائل الإعلام الإيطالية الصورة التي كان يحملها الزعيم الليبي على صدره وتعود لقائد المقاومة الليبية ضد الاستعمار الإيطالي عمر المختار لحظة اعتقاله.
ودافع القذافي عن قراره وضع صورة اعتقال عمر المختار على بزته العسكرية عند وصوله إلى روما في زيارة تاريخية للبلاد وهي مبادرة وصفها سياسيون إيطاليون بـ"الاستفزازية" .
ونقلت وكالة الأنباء الإيطالية عن القذافي القول في مؤتمر صحفي مشترك جمعه برئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني :"إن الليبيين يرون شنق عمر المختار مماثلا لصلب المسيح بالنسبة للمسيحيين ، هم (المسيحيون) يحملون الصليب على صدورهم".
وأوضح أن صورة قائد المقاومة الليبية التي على صدره بمثابة "رمز" إلى كارثة إعدامه شنقاً خلال الحقبة الاستعمارية الإيطالية من وجهة النظر الليبية ، قائلا :" إيطاليا اليوم لم تعد الدولة التي كانت عليها، لأنها أدانت الممارسات الاستعمارية، واعتذرت عما سلف، وهذا ما دعاني للقيام بزيارتي هذه".
وتظهر الصورة الفوتوغرافية التي وضعها القذافي على بزته العسكرية لدى وصوله إلى مطار تشامبينو الإيطالي لقطة تمثل اعتقال عمر المختار قائد المقاومة الليبية المسلحة ضد الاستعمار الإيطالي في العشرينات من القرن الماضي.
يذكر أن عمر المختار الذي يلقب بـ " شيخ المجاهدين وأسد الصحراء " كان تزعم ثورة شعبية ضد الغزو الإيطالي منذ العام 1912 وكان يبلغ من العمر ثلاثة وخمسين عاماً، واستمرت حربه مدة عشرين عاماً خاض خلالها ألف معركة، انتهت باعتقاله عام 1931.
وفور اعتقاله، عقدت له محكمة استمرت ساعة واحدة أصدرت حكمها بإعدامه شنقاً وتم تنفيذه ولم يكن المختار يناهز الثالثة والسبعين من العمر.
وقدمت إيطاليا العام الماضي اعتذاراً رسمياً لليبيا وخمسة مليارات دولار كتعويض عن التجاوزات التي ارتكبت خلال حكمها الاستعماري بين عامي 1911 و1943 ، إلا أن ما سبق يبدو أنه لم يقنع القذافي ، حيث بدا في زيارته لروما وكأنه يحاول الانتقام والثأر لكرامة الليبيين .