يرى المتفائلون بحوار أميركيّ - إيرانيّ في عهد أوباما أن ثمة سوابق مشجّعة في "البراغماتيّة الإسلاميّة" لإيران. ففي حرب أفغانستان تعاونت واشنطن وطهران ضد نظام "طالبان"، وقبل ذلك، في الثمانينات، كانت "صفقة الكونترا" التي تحوّلت الى فضيحة "إيران غيت". وفي مجرّد أن يضمّ النظام الإيرانيّ، بالمعنى العريض للكلمة، رجالات كهاشمي رفسنجاني ومحمّد خاتمي، فهذا يعني أن الأبواب لن توصد كليّاً أمام الحوار. وما من شكّ في أن انخفاض سعر برميل النفط من 145 دولاراً الى 40 دولاراً يزيد فرص التسوية. ذاك أن إيران تشعر، بعد الانخفاض، أنها أضعف بلا قياس من ذي قبل، أعنى ذلك حياتها الاقتصاديّة أم قدرتها على إمداد الأحزاب والميليشيات الموالية لها في الخارج، وأبرزها "حزب الله" اللبنانيّ.
يُرجّح ألا تُجدّد رئاسة محمود أحمدي نجاد
وفي حال صحّة هذه التوقّعات، يُرجّح ألا تُجدّد رئاسة محمود أحمدي نجاد في انتخابات حزيران (يونيو) المقبلة. لا بل يذهب البعض الى توقّع عودة محمد خاتمي الى رئاسة الجمهوريّة (علماً بأنه لم يرشّح نفسه حتى الآن). ذاك أن المناخ الجديد سينعكس مزاجاً جديداً، والعكس بالعكس، بحيث يبدو وجه كأحمدي نجاد نافراً وناشزاً.
وسيناريو كهذا، في ما لو كُتب له التحقّق، يفضي حكماً الى رسم خرائط نفوذ وبحث في الحصص، ما بدأ البعض، منذ الآن، التكهّن في صدده. وفي الحدود هذه سيكون إرضاء إيران بما يُبعدها عن مشروعها النوويّ عنوانَ العناوين. لكن إرضاء إيران وجهة قد تتمدّد وقد تتقلّص تبعاً لاعتبارات عدّة تتصدّرها توازنات القوى وتحوّلاتها وطرق قراءتها. وأغلب الظنّ أن تمتدّ رقعة المساومة ما بين الخليج وأفغانستان. لكنْ إذا ما ذلّلت واشنطن وموسكو خلافاتهما في شأن الدرع الصاروخيّ في بولندا وتشيخيا، كما في مسألة انضمام جورجيا وأوكرانيا إلى الناتو، فقد تشارك روسيا في هندسة خريطة النفوذ الإيرانيّ الجديد وحدوده. وهنا، وإذا ما وافقت موسكو على أن تدفع، هي نفسها، جزءاً من كلفة الصفقة، قد تُعطى للإيرانيّين كلمة ما في أذربيجان شمالاً. وفي الحالات المتوقّعة جميعاً، وكائناً ما كان الأمر، يُستبعد وقوع لبنان وفلسطين ضمن دائرة المقايضة هذه.
بطبيعة الحال، تضرب هذه الأسطر في التكهّنات التي تستند، بدورها، الى تكهّنات مراقبين ومتابعين غربيّين. لكن المرء لا يسعه أن يطرد استرجاع بعض السوابق في تاريخ المشرق الحديث كان المحليّ فيها يتمسّك بخرافته ويعلق فيها فيتجاوزه الإقليميّ أو الدوليّ ويتركه في منتصف طريق يفضي به، وأحياناً ببلده وعموم شعبه، الى لا مكان.
حصل هذا حين انهارت السلطنة العثمانيّة وأنهاها الأتراك متّجهين إلى بناء دولتهم، بينما ظلّ عرب مشرقيّون يحنّون إليها، ثم حصل يوم انهار الاتحاد السوفياتيّ وكتلته فبقي عرب مشرقيّون يعيشون بموجب "التحالف" معهما. ومن يدري، فقد تترك إيران حلفاءها في لبنان وفلسطين وتمضي، هي الأخرى، بحثاً عن مصالحها الحياة.
خالد الرواضيه