تحولت الجلسة الأولي من المؤتمر الدولي الخامس عشر لكلية الإعلام جامعة القاهرة الذي عقد تحت عنوان (الإعلام والإصلاح : الواقع والتحديات ) والذي استضافته كلية الإعلام جامعة القاهرة إلي ساحة من الجدل الساخن بين الدكتور صلاح عامر أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان وبين بعض المشاركين .
الدكتور صلاح تولي إلقاء المحاضرة التذكارية للدكتور بطرس غالي رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان نيابة عنه والتي أكد فيها الدكتور غالى علي أهمية الإعلام في نشر ثقافة حقوق الإنسان ودوره كعامل مساند لدعم قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وذلك بمساهمته في عمليات التطوير والإصلاح المنشود لافتا إلي ضرورة تمسك الإعلاميين بكل الأساليب الحديثة وإجادة اللغات الأجنبية لسد الفجوة التكنولوجية والمعرفية مع الآخر المتقدم .
وقال غالى إن حالة حقوق الإنسان في أي بلد من بلاد العالم هي أمر مهم لجميع الدول ، مشددا على ضرورة فتح النوافذ على العالم وتوسيع آفاق الحوار والمشاركة اللذين يفرضهما المصير المشترك . وأضاف أن وسائل الاتصال والإعلام أصبح لهما دور محوري في عملية التحديث والتطوير والإصلاح كأساس ضروري للتقدم وذلك في ظل ما يشهده العالم من تطور .
وأشار إلي أن ثورة التكنولوجيا والاتصال أدت إلى ترابط وتكامل مجالات الإعلام وتعاظم قدرة وسائل الإعلام على تجاوز الحدود السياسية والنفاذ عبر الثقافات مؤكدا علي ضرورة امتلاك أدوات العلم والمعرفة للحاق بركب الحضارة الإنسانية المعاصرة والتكنولوجيا المتطورة سريعا والتي تمثل جزءا من ظاهرة العولمة والتي لها جوانب جيدة وأخرى قد تكون سلبية مثل كل الظواهر.
وشدد على ضرورة استثمار الجانب الإيجابي في تلك العولمة لتكون في خدمة الإنسان وحماية حقوقه، وأهمية الدور الذي يقوم به المجتمع المدني أحزابا ومنظمات ونقابات لرفع مستوي الأداء لدي أعضاءها لمواكبة التغيرات مشيرا إلي إنه التجاوزات التي تقع هنا أو هناك ترجع إلي افتقاد البعض للمهنية والحرفية وهذا يحتاج إلي أن تقوم تلك المنظمات والمؤسسات بدور في مجال التدريب المستمر لبناء القدرات والمهارات لاعضاءها .
إجهاض الإصلاح
وبمجرد انتهاء الدكتور صلاح عامر من إلقاء كلمة بطرس غالي ابدي الصحفي المصري علي مهدي اعتراضه علي مضمون الكلمة قائلا : تتحدثون في المجلس القومي عن حقوق الإنسان والإصلاح فكيف يكون هناك إصلاح وإقرار لحقوق الإنسان في الوقت الذي يتم فيه محاكمة المدنيين في محاكم عسكرية ليس لأنهم مارسوا العنف أو الجريمة ولكن علي خلفيات سياسية بما يعني انه يتم استخدام المحاكم لتصفية الخلافات مع الخصوم السياسيين وعلي غير الغرض الذي أنشئت من اجله تلك المحاكم وهو محاسبة العسكريين المقصرين.
وأضاف بأن التعديلات التي أدخلت علي الدستور المصري في الآونة الأخيرة والتي تم تمريرها من مجلس الشعب أغلقت باب الإصلاح السياسي بالضبة والمفتاح فالمادة (76) والمتعلقة بالشروط اللازمة فيمن يريد ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية وضعت شروطا تعجيزية لايمكن أن تتوفر في أي مواطن مصري ما عدا من يرشحه الحزب الوطني الحاكم الذي تتوفر فيه ووحده فقط تلك الشروط التعجيزية .
فقد اشترطت تلك المادة حصول من يريد ترشيح نفسه لمنصب الرئاسة أن يحصل علي 250 موافقة من مجلسي الشعب والشورى والمحليات وهذه كلها في يد الحزب الوطني الذي يهيمن علي تلك المجالس النيابية والمحلية ولاستطيع أي مواطن سواء كان مستقلا أو ينتمي لحزب أن يحصل علي هذا العدد من الموافقات .
وأشار إلي أن المادة (88) من الدستور تم تعديلها لإلغاء الإشراف القضائي علي الانتخابات بالنسبة للجان الفرعية وقصر هذا الإشراف علي اللجان العامة رغم أن اللجان الفرعية التي يتم فيها التصويت عبر الصناديق من جانب الناخبين هي التي يتم فيها التلاعب والتزوير بشكل أساسي ويقتصر دور اللجان العامة علي فرز وعد الأصوات وإعلان النتائج .
ولفت إلي أن المادة ( 77 ) بعد تعديلها تركت مدد تولي منصب رئيس الجمهورية مفتوحة بدون تحديد بما يعني الحكم مدي الحياة علي عكس الدول التي تحترم شعوبها ففيها الرئيس لايحكم سوي مدتين علي الأكثر ويتم تحديد كل مدة بعدد معلوم من السنوات .
كما جاء تعديل المادة (179 ) بما يسمح بجعل قانون الطوارئ الذي تشكو منه كل القوي الوطنية بسبب ما فيه من بنود تعطي أجهزة الأمن صلاحيات كبيرة تشكل تحديا للحقوق الأساسية للمواطن في سكنه وحياته الخاصة وحريته في التنقل مادة دائمة في الدستور ولكن تحت مسمي آخر هو قانون مكافحة الإرهاب أي "دسترة "حالة الطوارئ وجعلها دائمة .
خريجو الإعلام وبيع الأحذية
د . بطرس غالي
من جانبها أشارت الدكتورة ليلى عبد المجيد عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة إلى أن وسائل الإعلام تقوم بدور ملموس في الإصلاح السياسي حيث تعمل على تهيئة المناخ لنجاح عملية التحول الديمقراطي من خلال توحيد العمل السياسي وإشاعة الحوار وترسيخ القيم الديمقراطية وتوسيع المشاركة السياسية وتعقب كافة صور الانحراف والفساد بالإضافة إلى تدريب المواطنين على مهارات المنافسة والمشاركة وتكوين الصور الذهنية الملائمة تجاه النظام السياسي.
وشددت الدكتورة انشراح الشال الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة علي ضرورة وضع برامج جادة ومتطورة لتدريب خريجي كلية الإعلام ليفيدوا سوق العمل لافتة إلي أهمية الحد من إقامة المزيد من أقسام وكليات الإعلام لان سوق العمل لايمكن أن يستوعب كل هذه الأعداد الضخمة من الخريجين الذي يلجئون للعمل في مهن لا تتناسب إطلاقا مع مؤهلهم الدراسي حيث أن بعضهم يعمل في بيع الأحذية او محلات البقالة وهو ما رأته بعينها .
ونبهت إلي أن مفهوم الغزو الثقافي الذي يسخر منه بعض المثقفين عندنا وينكرونه موجود بالفعل في الغرب الذي يعترف بهذا النوع من الغزو ففي بريطانيا تم الاعتراض علي المسلسلات الأمريكية لأنهم وجدوا أنها أثرت بالسلب علي لهجة الشباب البريطاني وفي فرنسا نجد صرخات احتجاج علي السينما الأمريكية من جانب كبار المسئولين محذرين من خطورة تلك السينما معتبرين أنها تشكل غزوا ثقافيا واختراقا يهدد الثقافة والهوية الفرنسية .
وقالت إن الكثير من البحوث الإعلامية تؤكد أن الصحف هي المصدر الثاني لاستقاء المعلومات والأخبار بعد التليفزيون لذا نجد القيود توضع علي برامج التليفزيون لدورها الخطير في تشكيل الرأي العام ،كما أن الكنيسة الكاثوليكية في الغرب تهتم بحقوق المستهلك وتفرض نوعا من الرقابة علي برامج التليفزيون لحماية مواطنيها من التأثيرات السلبية والضارة للإعلام .
وانتقدت الجيل الحالي من المعيدين والمدرسين المساعدين الذين لا يحرصون علي المشاركة وحضور الندوات والمناقشات الخاصة برسائل الماجستير والدكتوراه ولا الحلقات النقاشية ليزيدوا معلوماتهم ويصقلوا مهاراتهم البحثية ويغلبون الكم علي الكيف في بحوثهم لافتة إلي أن التحليل الكمي فيه خداع ولا يعطي مؤشرات دقيقة عند دراسة الظواهر الاجتماعية والإعلامية .
التليفزيون المصري خارج المنافسة
د. ليلى عبد المجيد
وفي دراسته حول( دور نشرات الأخبار بالفضائيات العربية في تكوين اتجاهات الجمهور المصري والقطري تجاه الأزمة المالية العالمية ) أوضح الدكتور اشرف جلال الأستاذ بقسم الإعلام بجامعة قطر أن تلك القنوات لم تعالج تلك الأزمة بالشكل المهني المطلوب وان التدخلات التجارية والحكومية في برامج تلك القنوات جعلتها لاتعالج القضية بالشكل المهني المطلوب لافتا إلي أن قناة النيل للأخبار كانت الأقل جاذبية ولذا لم يقبل عليها الجمهور مؤكدا علي ضرورة إعادة بناء قدرات العاملين في مجال الإعلام الاقتصادي لزيادة كفاءتهم المهنية .
ومن جانبه وجه الدكتور محمود خليل أستاذ الصحافة انتقادات للبحوث التي تناولها المؤتمر مؤكد علي أنها خلت تقريبا من أي ذكر للجوانب المطلوب إصلاحها سواء داخل مجال الإعلام أو داخل المجتمع وإنها حوت الكثير من الفرقعات اللفظية دون مضمون حقيقي كما أنها خلت من أي إشارة للفساد المستشري والذي هو العائق الأول لأي إصلاح حقيقي مشيرا إلي أن دور الباحثين الأكاديميين هو إلقاء الضوء علي الإعلام الفاضح للفساد ودعمه .
مشيرا إلي أن الإعلام المصري علي المستوي الفضائي يتعرض لامتحان عسير ومنافسة شديدة من جانب الإعلام العربي الذي يتحرك بذراع مالي سعودي وذراع بشري لبناني مما اثر سلبا علي مدي انتشار الإعلام المصري والذي يعاني حاليا من حالة انحسار.