رغم أن الهدف الرئيس لزيارة نتنياهو لأمريكا في 18 مايو/ أيار كان الحصول على الضوء الأخضر من أوباما لضرب إيران ، إلا أن الصحافة الغربية والأمريكية أكدت فشل تلك المهمة مسبقا بل وفجرت مفاجأة مفادها أن أوباما سبب مأزقا كبيرا لنتنياهو الذي طالما أظهر نفسه على الشخص الوحيد القادر على إزالة ما أسماه الخطر الإيراني.
ففي صحيفة "التايمز" البريطانية ، أكد الكاتب ألون بينكاس في مقال له بعنوان "إيران، لا فلسطين، على رأس أولويات إسرائيل" أن 12 رئيسا أمريكيا التقوا 13 رئيس وزراء إسرائيليا حتى الآن، ولكن الفشل الذي يصاحب لقاء نتنياهو مع أوباما غير مسبوق ، قائلا :"بإمكان القارئ أن يطمئن إلى أنه لن يحدث شيء غير عادي في ذلك اللقاء، سيوصف اللقاء بأنه كان وديا وشهد تبادلا صريحا لوجهات النظر، وسيكرر الطرفان عبارات الالتزام الأمريكي الثابت بأمن إسرائيل وسيثني كل طرف على شجاعة الآخر ".
وتابع " ستمر أسابيع قبل أن نعرف كيف عالج أوباما ونتنياهو خلافاتهما بشأن إيران وفي هذه الأثناء سيكون جورج ميتشيل قد وصل إلى المنطقة للتوضيح، وأوباما سيكون قد وصل إلى مصر ليتحدث عن الخطوط العريضة لسياسته والتي تركز على الدولتين ، وتلك التطورات بالتأكيد ستشكل مأزقا كبيرا لرئيس الوزراء الإسرائيلي الذي شدد في برنامجه الانتخابي على رفض حل الدولتين وضرورة توجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية".
شبكة سي ان ان الإخبارية الأمريكية هى الأخرى لم تذهب بعيدا عن الرؤية السابقة ، حيث أكدت في تقرير لها أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يلتقي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الإثنين وسط خلافات بادية للعيان بين تل أبيب وواشنطن في عدة موضوعات منها حل الدولتين ، حيث يلقى حل إقامة دولة فلسطينية في الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، إجماعاً دولياً، وحتى بين غالبية الإسرائيليين، بينما يرفض نتنياهو، الذي يقود ائتلافاً يمينياً متشددا ، مبدأ إقامة دولة فلسطينية، بدعوى أن دولة فلسطينية مستقلة ستمثل خطراً على أمن إسرائيل، وأن أي كيان فلسطيني يجب أن تكون له سلطات سيادية محدودة وألا يكون له جيش.
وبناء على تلك النظرة ، فإن تقرير الـ "سي ان ان" توقع أن يتمسك رئيس الحكومة الإسرائيلية بموقفه بإجراء مباحثات مع الطرف الفلسطيني على مسار اقتصادي وأمني وسياسي وليس على أساس محاولات التوصل لاتفاق حل نهائي ، حيث أكد مرارا أن الأولويات يجب أن تنحصر في بناء القدرات الإدارية والأمنية والاقتصادية للفلسطينيين ، زاعما أنه لا جدوى من الإسراع في إعلان دولة فلسطينية وسط شرخ في اللحمة الفلسطينية يفتقد فيه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس السلطة السياسية ليكون شريكاً في السلام.
هناك أيضا موضوع المستوطنات الذي يشكل بحسب تقرير الـ " سي ان ان " نقطة خلافية أخرى بين الجانبين ، حيث تقول إدارة أوباما إن الاستمرار في توسعة المستوطنات بالضفة الغربية وتحرك إسرائيل نحو توسيع رقعة سيطرتها على القدس الشرقية، قوض الاستقرار وفرص تحريك عملية السلام ، هذا فيما لم تستجب الحكومات الإسرائيلية لنداءات دولية لوقف التوسع في المستوطنات اليهودية.
غزة هى الأخرى تشكل نقطة خلافية ، حيث دفعت الحملة العسكرية الإسرائيلية على القطاع في مطلع العام بالنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي إلى سلم أولويات الإدارة الأمريكية، فالحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة، إلى جانب الاقتتال السياسي الفلسطيني، حال دون وصول 4.5 مليار دولار، قدمتها الدول المانحة لإعادة إعمار القطاع ، وستضغط إدارة أوباما لتخفيف الحصار الإسرائيلي للسماح بإعادة بناء القطاع ، فيما يصر نتنياهو على ضرورة تشديده بل والقيام بعمل عسكري آخر إن تطلب الأمر ذلك.
وتبقى نقطة الخلاف الجوهرية بحسب تقرير الـ " سي ان ان " وهى إيران ، حيث حاول نتنياهو إقناع أوباما بأن تحقيق واشنطن لأهدافها في المنطقة يمر عبر لجم الطموح النووي الإيراني قبيل النظر في النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي ، مستندا لمزاعم حول أن هناك بعض الدول العربية التي ترى في إيران تهديدا لاستقرار المنطقة ، كما أن دعم إيران لحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة هو مبرر قوي لرفضه المضي قدماً في عملية السلام حتى إزاحة إيران جانباً.
بل إن نتنياهو طالب واشنطن أيضا بتحديد جدول زمني أمام إيران للتجاوب مع المطالب الدولية في محاولة لمنعها من كسب المزيد من الوقت لرفع قدراتها النووية ، محذرا من إسرائيل مستعدة لضرب المنشآت النووية حال فشل المساعي الدبلوماسية.
وفي المقابل ، جادل أوباما بأن حشد العالم لمواجهة المطامح الإيرانية يتطلب حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي في المقام الأول، مشيرا إلى أن عرض المفاوضات وإن كان لن يظل مفتوحاً إلى ما لا نهاية أمام الجمهورية الإسلامية، إلا أنه سيسمح بالمزيد من الوقت لإتاحة المجال لنجاح الدبلوماسية.
تحذيرات بايدن
جوزيف بايدن
وبجانب التقارير الصحفية السابقة التي تؤكد فشل مهمة نتنياهو في واشنطن فإن تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن في 8 إبريل / نيسان أظهرت مدى حرص إدارة أوباما على الحوار مع إيران للحصول على مساعدتها في أفغانستان والعراق .
وكان بايدن حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من عواقب الإقدام على شن هجوم عسكري ضد إيران ، مشيرا إلى أنه يتوقع أن يتراجع نتنياهو عن مثل هذا التفكير.
وذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية أن تصريحات بايدن جاءت بعد أن استمع نتنياهو إلى تقارير أمنية حول ما يسمى بالخيار العسكري الإسرائيلي لمواجهة المشروع النووي الإيراني ، مشيرة إلى أنه التقى برئيس أركان الجيش الجنرال غابي اشكنازي وبمسئولين أمنيين آخرين ثلاث مرات على الأقل للاستماع منهم إلى تقارير حول القضية الإيرانية.
ويبدو أن رفض واشنطن لا يرجع لأسباب سياسية فقط وإنما لمبررات عسكرية أيضا ، حيث استبعد إفريم كام، خبير الشئون الإستراتيجية بمعهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب إمكانية موافقة واشنطن على شن إسرائيل لهذا الهجوم ، مؤكدا أن المؤسسة الدفاعية الأمريكية تشكك في احتمالات نجاح تلك العملية ، كما أن نتائج هذا الهجوم سوف يرجئ فقط البرنامج الإيراني لمدة تتراوح بين عامين إلى أربعة أعوام.
وبجانب الرفض الأمريكي ، فإن روسيا هى الأخرى تعارض بشدة مثل هذا الأمر ، حيث أكد وزير الخارجية الروسي سيرجى لافروف في 16 إبريل/ نيسان أن موسكو لن تغير سياساتها ومواقفها إزاء طهران من أجل إرضاء واشنطن وتل أبيب ، قائلا :" إيران بلد جار وبإمكانه أن يؤدي دورا هاما في حل المشكلات الدولية ومن بينها قضايا العراق وأفغانستان والشرق الأوسط".
وفي 28 مارس / آذار ، أكد الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أيضا أن موسكو غير مستعدة لإبرام صفقة مع واشنطن أو أية عاصمة غربية أخرى بشأن البرنامج النووي الإيراني ، موضحا أن التقارير التي تتحدث عن عقد موسكو صفقة مع واشنطن حول البرنامج النووي الإيراني لا أساس لها من الصحة .
هذا الموقف الروسي يبرره البعض بعمق العلاقات بين موسكو وطهران وتصاعد قوة الأخيرة على الصعيد العسكري والتكنولوجي في الفترة الأخيرة بشكل أذهل العالم، بالإضافة إلى حاجة موسكو لإيران وسوريا للعودة بقوة للشرق الأوسط بجانب ابتزاز واشنطن في العديد من القضايا الشائكة وخاصة جورجيا وتوسع الناتو باتجاه حدودها، ولعل التصريحات التي خرجت من موسكو في الشهور الأخيرة تؤكد أن إيران باتت تشكل ورقة رابحة لموسكو ولن تتخلى عنها بسهولة وكل ما تستطيع أن تقدمه من تنازلات هو القيام فقط بوساطة بين طهران وواشنطن، ففي 27 مارس / آذار ، أعربت روسيا عن استعدادها لتنظيم اجتماع يضم مسئولين أمريكيين وإيرانيين في موسكو على هامش المؤتمر الدولي حول أفغانستان.
وأخيرا ، هناك التطور الهائل في القوة العسكرية الإيرانية والذي يؤكد أن إيران على استعداد للتصدي لأي هجوم إسرائيلي ، ففي 3 فبراير/ شباط 2009 وخلال احتفالها بالذكرى الثلاثين للثورة الإسلامية ، فاجأت إيران العالم بالإعلان عن إطلاق أول قمر صناعي من صنع محلي ، مشيرة إلى أن الصاروخ "سفير 2" وضع القمر "أميد" في مدار حول الأرض على ارتفاع 430 ميلاً.
واشنطن التي شككت في السابق في قدرة إيران على تحقيق هذا الأمر ، سارعت إلى تأكيد صحة إعلان إيران ، وأعلن الناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية روبرت رود أن واشنطن تشعر بـ"قلق عميق" لهذا الواقع، مضيفاً أن الصواريخ من طراز " سفير 2 " قادرة على حمل رؤوس حربية غير تقليدية لمدى بعيد ، كما أن تطوير هذا الصاروخ لإطلاق قمر صناعي إلى مدار حول الأرض قد يؤدي إلى تطوير نظام صواريخ بعيد المدى .
ولم تكتف بما سبق ، بل إن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أعلن في 9 إبريل / نيسان أن بلاده أنجزت المرحلة الأخيرة من دورة التخصيب النووي ، مشيرا إلى أنها تشغل حاليا 7000 آلاف جهاز طرد مركزي لإنتاج الوقود النووي.
وأضاف في خطاب ألقاه في مدينة أصفهان خلال احتفال إيران باليوم الوطني للتقنية النووية السلمية أن طهران اختبرت نوعين جديدين من أجهزة الطرد المركزي على مقدرة أعلى لتخصيب اليورانيوم وإنتاج الوقود النووي ، مشددا على أن الأجهزة الجديدة تتميز بأنها أسرع بعدة مرات من تلك المستخدمة في طهران وأنها أنجزت كل مراحل التصنيع النووي.
ولتأكيد الأنباء السارة السابقة ، أعلن عن افتتاح أول مصنع لإنتاج الوقود النووي في مدينة أصفهان، مما يتيح للجمهورية الإسلامية القدرة على إنتاج دورة الوقود لمفاعلاتها النووية بالاستعانة بالخبرات المحلية ودون الحاجة إلى مساعدات فنية خارجية.
وعلق مستشار وزير الخارجية الإيراني لشئون آسيا حسين نوش ابادي على التطورات السابقة ، قائلا :" تصريحات نجاد ستحطم مقاومة الدول المعارضة للجمهورية الإسلامية الإيرانية بما فيها أوروبا والولايات المتحدة ".
ما سبق يؤكد أن إيران تبدو وكأنها تستشعر الخطر بالفعل ولذا بدأت في إظهار قدراتها الواحدة تلو الأخرى لردع نتنياهو ودفع أوباما للإسراع في إجراء حوار معها .
وتبقى الحقيقة المؤكدة وهى أن أي عمل عسكري إسرائيلي ضد إيران لن يرى النور بدون الدعم الأمريكي ، وهذا ما يخدم طهران على الأقل في الوقت الراهن.